في ذكرى يوم عرفة في يوم عرفة قبل 1423 عاماً وفي يوم له دلالته في تاريخنا الإسلامي وقف النبي عليه الصلاة والسلام خطيباً في عدد كبير من المسلمين في خطبة الوداع ، وكان يوماً مشهوداً وسطر فيه كثيراً من الحكم والإرشادات لهذه الأمة ، وكان مما قاله في ذلك اليوم : “أيها الناس .. إن ربكم واحد وإن أباكم واحد.. كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد .. قالوا: نعم ، قال: فليبلغ الشاهد الغائب” . وهكذا عاش المسلمون في مساواة وإخاء ومحبة ثم بدأت بعد حوالي مائة عام تظهر أولى جذور العنصرية عبر سؤال طرحه أحد الفقهاء وهو : هل المولى كفء في الزواج من العربية أم لا , وهل القرشي كفء للهاشمية أم لا , وهل العجمي كفء للعربية ؟ وهكذا توسعت المسألة عند الفقهاء حتى صارت جميع المذاهب تتكلم عن الحرف الدنيئة وما أدراكم ما قالوا , لقد حشر كل مذهب بعض الحرف والاعمال تحت بند الحرف الدنيئة في مخالفة واضحة لأكثر من 300 آية تحث على العمل والبناء , ولأن هؤلاء لم يجدوا آية تسعفهم في بدعتهم تلك فقد بحثوا في مكان لا يمكن أن يخرجوا منه صفر اليدين وهو عالم الأحاديث وما أدراكم ما عالم الأحاديث , إنه فضاء مفتوح يجد فيه كل مرء بغيته فتجد الحديث وضده , وما ذلك إلا لكثرة الوضع على لسان نبينا عليه الصلاة والسلام ،خاصة أن رواج الحديث في تلك الفترة كان تأثيره أعظم من القرآن ,وهكذا بدأوا يستندون على أحاديث لا تسمن ولا تغني من جوع أمام النص الخالد في القرآن «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» , وحين جمعت ما قالت به المذاهب من حرف دنيئة وجدت العجب العجاب , فقد وجدت أن كل الحرف التي بين أيدينا اليوم دنيئة . يقول الدكتور محمد رواس قلعجي في بحث موجز بعنوان «الاحتراف وآثاره في الفقه الإسلامي»، تحت عنوان «حصر الحرف الدنيئة»: «لقد حرص الفقهاء على تحديد الحرف الدنيئة، ليبقى ما وراءها من الحرف شريفاً، فأول ما بدأوا به بيان تصورهم للحرفة الدنيئة فقالوا: الحرفة الدنيئة هي كل حرفة دلت ملابساتها على انحطاط المروءة وسقوط النفس، ثم راحوا يعتمدون على العرف في تعداد الحرف الدنيئة التي حكمت عليها أعراف عصرهم أنها حرف دنيئة. فذكر المالكية الحجام والزبال والحائك والفران والحمامي والشاعر الذي يمدح الناس في الأسواق والولائم ممن يتعاطون حرفاً دنيئة. وذكر الحنابلة الحائك والحجام والفصام – وهو الذي يجرح الجلد ليسيل منه الدم – والحارس والكساح – وهو الذي ينظف الأفنية والكنف – والدباغ والحمامي والزبال والصباغ والصائغ والحداد ومؤجر الفحل للعسب – أي اللقاح – والماشطة – التي تتولى تزيين النساء – والنائحة والبلان – وهو قيِّم الحمام – والمزين والجرائحي – وهو الطبيب الجراح – والبيطار ممن يتعاطون حرفاً دنيئة. وذكر الشافعية الكناس والحجام والحارس والراعي وقيِّم الحمام (البلان) والفصاد والحاقن – الذي يداوي الناس بالحقنة الشرجية – والقمام والقصار والزبال والكحال والدباغ والإسكاف والجزار والقصاب والسلاخ والجمال – الذي يسوق الجمال بالمراكب – والدلال – الذي ينادي على السلع – والحمال والحائك والفوال والحداد والصواغ – هو الصائغ – والبيطار من الذين يتعاطون حرفاً دنيئة. وذكر الحنفية الحائك والحجام والكناس والدباغ والحلاق والبيطار والحداد والصفار- الذي ينظف الأواني النحاسية ويطليها بالقصدير – والحارس والسائس والراعي وقيِّم الحمام والبواب والسواق – الذي يسوق الدابة بالراكب – والفراش – الذي يتولى تنظيف مفروشات المنزل ونحوه – والوقاد والمرضع التي احترفت الإرضاع بأجر، ممن يتعاطون حرفاً دنيئة” . بهذا كاد الفقهاء أن يدخلوا معظم الحرف اليدوية في إطار «الحرف الدنيئة» وفاتهم أن النبي «صلى الله عليه وسلم» فضّل العمل اليدوي، وأنه قبَّل اليد التي مجلتها المسحاة قائلا: «هذه يد يحبها الله ورسوله» وأنه هو نفسه كان يخصف نعله، ويقم بيته، ويجمع الحطب، ويذبح البدنة , وأن مهنته، ومهنة موسى كانت الرعي، وأنه أسف لما علم بوفاة عجوز كانت تقم المسجد،لأن هذا حال دون أن يصلى عليها، وأن مهنة داؤود كانت الحدادة، ومهنة إدريس كانت الخياطة، ومهنة نوح كانت النجارة، وأن الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب، من علي بن أبي طالب حتى أحمد بن حنبل عملوا أعمالاً يدوية، بل اشتغلوا في حمل الأثقال وأن أعلى أسماء في الارستقراطية القرشية الإسلامية: زينب بنت جحش وأسماء بنت عميس كانتا تقومان بالدبغ وبكثير مما أدخلوه في الحرف الدنيئة! وأن عمرو بن العاص كان يملك مجزرة في مكة وأن الزبير بن العوام كان جزاراً .......إلخ . ولم أذكر هنا ما قالته المذاهب الشيعية في المسألة لأن مذهبهم أساساً قام على هذه العنصرية ،فهم أكثر من رسخ لذلك التقسيم العنصري السلالي وذلك لما تجني من ورائه مما لا يخفى على أحد من حلب للدنيا باسم الدين.. ومن تلك الفترة انفتح الباب إلى عنصرية مقيتة ودخل المسلمون بفقهائهم في بدعة كبيرة ومخالفة صريحة لأهم مقاصد الإسلام إلى يومنا هذا وهو مقصد المساواة . واليوم نجد الطوائف والمذاهب والجماعات الإسلامية تنقب في كل كتب الحديث علها تجد سنة غائبة حتى لو كانت نسبتها ضعيفة للنبي ليحيوها بزعمهم , وقد نجحوا في نشر خطاب يهتم بقص الشارب وإطالة الثوب والسواك , وضاعت عليهم هذه البدعة الكبرى ولا أدري كيف خفيت عليهم ؟ هل خافوا من مخالفة العجل الذهبي الذي صنعوه بأيدهم ثم عبدوه؟ . أيها الناس : إذا رأيتم من يصلي في اليوم ألف ركعة ويخطب في الناس ألف خطبة وموعظة ويبكي ألف مرة من تلاوة القرآن ثم يؤمن بهذه العنصرية فاغسلوا أيديكم منه , فوالله لو سقطت جبهته على الأرض من كثرة العبادة ولم يصدق مع الله كمال الصدق برفضه لهذه البدعة فإنه يغالط نفسه , إن العالم والفقيه والواعظ الذي لا يحارب هذه العنصرية قولاً وعملاً يغالط نفسه ويغالط ربه. إن العالم كله قد خطا خطوات كبيرة في القضاء على العنصرية ولم تعد تجد لها وطناً إلا عند المسلمين فأينما وجد المسلمون للأسف وجدت , لقد سمعت وقرأت أسماء كثيرة لمؤسسات مدنية تدافع عن حق هنا أو هناك ولكنها تتكلم باستحياء عن هذه العنصرية . إن على المسلمين أن لا يستغربوا من تأخر المسلمين اليوم في التكنولوجيا فجذوره تكمن في ثقافة خاطئة تحتقر المهن . إننا بحاجة اليوم إلى ثورة فكرية واجتماعية أكثر من ثورات الربيع العربي التي قمنا بها . هامش : كانت هذه جذور العنصرية عند المسلمين بشكل عام ، وأما اليمن بشكل خاص فتحتاج إلى منشور خاص إن شاء الله . قال ابن حجر : (ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب حديث ) ,وقال سفيان الثوري : ( لا تعتبر الكفاءة في النسب ) ومثله ابن حزم , وقال ابن تيمية نافياً اعتبار الكفاءة النسبية : ( وليس عن النبي «صلى الله عليه وسلم» نص صحيح صريح في هذه الأمور). رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=456257994413281&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater