لم تكن المرة الأولى التي يهدد فيها وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان السلطة الفلسطينية بسحب الغطاء عنها والتلويح مجدداً بإزالة الشكل الهولامي لمكونات هذه السلطة المحاصرة من كل حدب وصوب والتي يريدها ليبرمان مجرد مؤسسة خيرية تقتصر أدوارها على صرف المرتبات والإعاشات، بينما يريدها الفلسطينيون دولة مستقلة كاملة السيادة على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية. مناسبة التهديدات الأخيرة التي أطلقها المستوطن ليبرمان تأتي استباقاً لتعطيل الجهود التي تقوم بها قيادة السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس تحديداً في اتجاه الأممالمتحدة للحصول على دولة غير كاملة العضوية في هذه المؤسسة الأممية التي يعترف ثلثا أعضائها بالسلطة الفسطينية وبحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على كامل ترابه الوطني. بالتأكيد يعرف الفلسطينيون حجم التحديات والعقبات التي تعترض مثل هذه الخطوة الجريئة والتي تأتي في سياقاتها الزمانية والموضوعية وتحديداً لجهة العقوبات التي لا تقتصر فقط على العقوبات المفترضة التي ستتخذها سلطات الاحتلال وإنما في ما يمكن أن تتخذه العاصمة الأمريكيةواشنطن أيضاً، خاصة وقد لوحت مراراً بمعاقبة السلطة الفلسطينية إذا ما اتخذت – هذه الأخيرة – أية خطوة في اتجاه الحصول على موافقة الأممالمتحدة بشأن هذا الاعتراف .. ولعل الأمر لا يقتصر كذلك على تهديد السلطة الفلسطينية فحسب وإنما يطال بالعقوبات المؤسسة الأممية أيضاً إذا ما تعاطفت مع المطلب الفلسطيني. ومن باب التذكير فإن تلك العقوبات لا تقتصر فقط على منع الإمدادات الغذائية والدوائية وإغلاق ممرات العبور وتعطيل وصول شحنات الوقود, فضلاً عن حجز الأموال المستحقة للسلطة الفلسطينية وإنما يطال أبعد من ذلك إلى مرحلة تعيد الأوضاع الفلسطينية إلى مربعها الأول .. أي من زاوية الإطباق الكلي على ما تبقى من معالم السلطة الفلسطينية التي تريدها إسرائيل وأمريكا على هذا النحو الهولامي الذي أشرنا إليه سابقاً والذي يشبه تماماً حال الدجاج منتوف الريش !! وإذا كان من الطبيعي أن يواجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس مثل هذه التحديات التي تضعها حكومة الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية اللتان تعملان على إعاقة الخطوات الحثيثة باتجاه تحقيق حلم استكمال الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية داخل مؤسسة الأممالمتحدة .. وهو الأمر الذي يقض مضجع “ليبرمان” وغيره من الساسة المتشددين سواء داخل الحكومة الإسرائيلية أو اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وإذا كان ذلك طبيعياً من القوى التي تناصب العداء للقضية الفلسطينية ، فإنه من غير الطبيعي أن تتواكب هذه الحملات الصهيونية المسعورة مع مواقف رفاق القضية والنضال في حركة “حماس” و المتعاطفين مع خطابها الراديكالي تجاه القيادة الفلسطينية في رام الله .. وهي المواقف التي لمس فيها المراقب ارتفاعاً حاداً في “ترمومتر” التصعيد الإعلامي ضد الرئيس عباس على خلفية الاختلاف معه إزاء كثير من قضايا مؤسسات السلطة وكذلك على خلفية تصريحاته بشأن قضية عودة اللاجئين التي هي – بحق – قضية عادلة لا يمكن أن تسقط بالتقادم وقد قالها الرئيس أبو مازن في تصريحات لاحقة لمقابلته مع التلفزيون الإسرائيلي .. وتأكيده أحقية عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم دون قيد أو شرط .. وكان يمكن لبعض قيادة “حماس” التعاطي مع هذه السقطة الإعلامية بشيء من التواصل المباشر وبالوسائل الحضارية الممكنة مع القيادة في رام الله دون الحاجة لمثل هذا التصعيد الإعلامي والسياسي الذي يزيد الطين بلة – كما يقول المثل العربي – ويلقي بتبعات إضافية على مسألة إتمام المصالحة الوطنية الداخلية من جهة ويربك مسيرة التوافق الفلسطيني – الفلسطيني للدخول إلى المعترك الأساس داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على هذه العضوية التي طال انتظارها من جهة ثانية ،حيث ستكون بمثابة رافد للقضية الفلسطينية على درب الحصول على كامل الحقوق المشروعة بما في ذلك إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل تراب الأراضي المحتلة. ما يهمنا في هذه التناولة هو أن تتضافر كافة جهود الأشقاء الفلسطينيين من خلال استدعاء روح التصالح والتسامح والخلاص من النزعات الحزبية والأنانية الضيقة والعمل معاً من أجل تحقيق المصلحة الفلسطينية العليا .. وبأن يجنبوا نجاحات مسيرتهم النضالية الطويلة كل ما من شأنه تفتيت وحدة الصف الوطني أو عرقلة مسيرة هذا النضال باتجاه تحقيق الحلم الفلسطيني الذي طال انتظاره, بل من المهم في هذه اللحظات التاريخية أن تتآزر الجهود وتتوحد الطاقات والرؤى لإنجاح مهمة الرئيس محمود عباس وهو يدلف إلى قاعة المؤسسة الأممية متكئاً على خلفية الاصطفاف الوطني أكثر من رهاناته على تعاطف الأسرة الدولية مع عدالة قضيته، بل من المعيب حقاً أن يقف الرئيس عباس في هذه المعادلة وحيداً تحت مطرقة إسرائيل وسندان “حماس” وكأني بالرئيس الفلسطيني يردد قول الشاعر العربي: وظلم ذوي القربى أشدد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهندِ. رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=461492047223209&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater