إن البحث في أركان النظام النيابي المعاصر يحتاج إلى التعمق في فهم النظام ومتابعة مراحل نشأته التاريخية، ثم التطورات المتلاحقة التي أدخلت عليه التحديث والتطوير، كما أن دراسة الحالات التاريخية للنظم السياسية لا تعني إغفال الخصوصية الخاصة بالرقعة الجغرافية للدولة بكل مكوناتها الطبيعية والبشرية في موضع التطبيق، لأن عامل الخصوصية المكانية والبشرية من أعظم العوامل التي تحدد اختيار نظام سياسي أو تفرض إدخال التحديث والتطوير الذي يحقق الرضا الشعبي الذي يعد العامل الحاسم في تحقيق الاستقرار المطلوب لنجاح النظام السياسي. إن متابعة تطور النظام السياسي في اليمن عبر التاريخ سيقودنا إلى البحث عن المرحلة الأولى في تاريخ الامبراطورية اليمنية في عهد الدول الثلاث المعينية والسبئية والحميرية وسنجد أن النظام في تلك المرحلة قد التزم المنهج الديمقراطي الشوروي بدرجة أساسية، وقد أشرت في موضوع سابق إلى حجم المشاركة السياسية في اليمن قبل ثلاثة آلاف قبل ميلاد المسيح، حيث مكنتنا ملامح تلك الفترة من القول بأن النظام السياسي في تلك الفترة كان نيابياً في أعلى درجاته الشعبية المعاصرة اليوم، ومن أركان النظام النيابي المعاصر ثنائية السلطة التنفيذية بمعنى ظهور السلطة الإجرائية في هذا النظام بشكل مزدوج وفي شكل صورتين هما الأولى: رئيس الجمهورية والثانية: رئيس الحكومة، ورغم أن رئيس الحكومة يتمتع بصلاحيات كبرى في هذا النظام إلا أن المشرع أعطى لرئيس الدولة أهمية سيادية مطلقة بموجب الدستور من خلال الثقة الشعبية التي يستمد قوته منها فهو منتخب من الشعب وأعطاه الحق في تعيين رئيس الحكومة وجعل منح الثقة الشعبية للحكومة يأتي في الدرجة الثانية، لأن الدرجة الأولى في الثقة الشعبية هي لرئيس الدولة من خلال الانتخاب الحر المباشر، ومن هنا فإن الثقة الشعبية الممنوحة للحكومة تتم من خلال تقديم برنامج الحكومة إلى نواب الشعب الذين بدورهم يقفون أمام هذا البرنامج بالدراسة والمناقشة وطرح التوصيات الملزمة ثم يمنحون الحكومة الثقة نيابةً عن الشعب. إن منح الثقة للحكومة من قبل نواب الشعب مشروط بتنفيذ البرنامج التنموي الشامل وأي إخلال به سيؤدي إلى سحب الثقة من الحكومة، وهذا حق أصيل للسلطة التشريعية وهو إسقاط الحكومة بأسباب موضوعية، ولكي لا تحدث اللعبة السياسية الخطرة التي حذرنا منها في الموضوع السابق فقد جاء المشرع بإعطاء رئيس الدولة القوة الشعبية بحيث جعله شوكة ميزان وأعطى الحكومة إلى جانب ذلك حق تقديم النصح لرئيس الدولة بحل البرلمان أو السلطة التشريعية، وهو ما سنتناوله في موضوع الرقابة المتبادلة المحققة للتوازن والاستقرار بإذن الله. رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=465196233519457&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater