مع قدوم كل جمعة أصاب بحالة من الحزن الشديد ترتفع تلك الحالة في ظهر يوم الجمعة ثم تخف قليلا يوما بعد يوم حتى تأتي الجمعة الأخرى فتبدأ بالصعود , ومشتت الأحزان ذاك هو خطيب الجمعة الذي يحشو رأسي بكم هائل من الخطاب السطحي المتناقض في كل جمعة , خطاب يساهم في تشويه الإسلام أكثر من خطاب أولئك القاصدين تشويهه , خطاب يساهم في تراجعنا خطوات للوراء كلما فرحنا أننا تقدمنا خطوة للأمام . معاناة أعانيها في كل جمعة من سوء الخطاب وتخلفه, وعدم تشخيصه الدقيق لما تعانيه الأمة , ومن عدم احترام ذلك الخطيب لمن يقف أمامه, فالمسجد يمتلئ بأطياف مختلفة من الناس فيهم المثقف والأستاذ الجامعي والباحث والعامي والصغير والكبير , ولا بد أن يكون خطابه موسوعيا يستطيع أن يقنع الناس بمختلف مراتبهم في الفهم , وعليه كذلك أن يفتح باب النقد من جماهير المسجد ليطرحوا ملاحظاتهم فلربما تحسن على الأقل في اسلوبه وتجاوز بعض الأخطاء المكررة, فإن لم يستطع ذلك فليترك المجال لغيره . في إحدى الجُمَع قلت لأحد الخطباء كان يرفع صوته : أخي الحبيب لقد صار صوتك مزعجا لآذاننا وصار أكثر مما يحتاج إليه السامع فهلا خففته , قال : إنني أتأسى بالنبي (ص) فقد كان يرفع صوته حتى تنتفخ أوداجه قلت : ليتك أكملت التأسي به وحذفت الميكرفونات لأن صوتك حينها مع انتفاخ أوداجك لن يبلغ مؤخرة المسجد ولكن أن تجمع علينا انتفاخ أوداجك وانتفاخ أوداج الميكرفونات فهذا ظلم عظيم , ولا أظنك تقبله لو كنت في مكاننا , ولا أظن نبينا كذلك يقبله. ولكن الخطيب استمر على رأيه ورمى ذلك الكلام جانبا حتى جاءت جمعة أخرى كنت مستعجلا فيها لأن لدي عملاً بعد الصلاة , فأطال في خطبته حتى ظننت أنه يريد أن يشرح الإسلام كاملا في خطبة واحدة , لقد استمر يرعد ويزبد حتى انتهت ساعة كاملة ورأيت الضجر في وجوه الناس, حينها لم أصبر فرفعت يدي لعله يراني وأشرت إلى ساعتي بأن الوقت طال , ففهم ذلك ولم يزد إلا عشر دقائق فقط بعد الساعة , وبعد الصلاة وجدت الناس حولي أنواعاً , فمنهم من قال : جزاك الله خيرا لقد أنقذتنا ولا ندري كم من الوقت كان سيبقى , وقال آخر : يا أخي ما يصح تؤشر للخطيب وتوقفه عن خطابه فهو يذكر الناس , فقلت : لقد اعتبرت ذلك طريقة مثلى مني , وكان الأولى أن أقوم للصلاة وأخرج من المسجد لقضاء حاجتي فقال ذلك الرجل غاضبا : وهل يجوز ذلك , فقلت : اسمع مني هذه القصة التي يحفظها الخطيب جيدا ولا أظنه يفقهها , فقد روي عن جابر بن عبد الله أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي (ص) ثم يأتي قومه فصلى ليلة مع النبي (ص) العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف , فقالوا له : أنافقت يا فلان , قال لا والله ولآتين رسول الله فلأَخبرنّه , فأتى رسول الله فقال : يا رسول الله : إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار وإن معاذا صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة , فأقبل رسول الله على معاذ فقال: « يا معاذ أَفَتَّانٌ أنت -ثلاثا- فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها والليل إذا يغشى فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة ». وتخيلوا معي حال النبي (ص) وهو يكرر العبارة ثلاثا , إنني على يقين أنه لو شاهد خطباءنا اليوم لقالها مائة مرة , إن هذا الصحابي الثائر على إمامه في الصلاة يعلمنا درسا في الثورة على خطبائنا حين يطيلون في خطبتهم فكيف إن أخطأوا في خطابهم , صحيح أن هناك من اتهمه في فعله ذلك بالنفاق وهو ما سيتكرر اليوم لمن يفعل فعله, ولكن لا يهم ذلك ما دام النبي (ص) قد أقره على فعله وأنكر على معاذ فعلته تلك , ولو كان نبينا بيننا لأنكر على ذلك الخطيب ولأقرنا على خروجنا عليه, ففينا الكبير والضعيف وذو الحاجة كذلك. وبعد أن هدأ الناس قليلا سألتهم : كم أطول خطبة خطبها النبي (ص) , فلم يجيبوا بشيء , فقلت : أكبر خطبة ستجدونها في الكتب لن تتجاوز سبع دقائق , فلماذا لا يقتدي الخطباء بالنبي (ص) في هذه المسألة أم إنهم يجدون المخارج هنا ولا يجدونها هناك , والمضحك أن هذا الخطيب بعد إطالته للخطبة أطال أيضا في الصلاة , وكانت حجته في إطالة الصلاة أن النبي (ص) كان يطيلها , فتعجبت من تجميع القوم لكل عسر علينا , فما خيروا بين أمرين إلا اختاروا أعسرهما , اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام فقد كان يختار أيسرهما!! وهكذا أصبح معي في كل جمعة قصة مع هذا الخطيب أو ذاك حتى فكرت يوما أن أكتب كتابا عنوانه “ عجائب الخطباء» ولكني توقفت لأني وجدت الأمر سيطول ولن يكفيه مجلد واحد, بل عدة مجلدات ولست مبالغا في ذلك , وسأعطيكم واحدة من تلك العجائب لعلكم تسمعون بها عند أكثرهم , فهم في نهاية كل خطبة يدعون -دون وعي منهم -على أنفسهم وعلى الحاضرين وعلى أمتهم بالخذلان والدمار والهلاك, فيكررون «اللهم أهلك ودمر واخذل من خذل الإسلام والمسلمين » , ولو أجاب الله دعاءهم لهلكنا جميعا, لأن المسلمين هم من خذلوا الإسلام وخذلوا أنفسهم لقد خرجت من هذه الجمعة ولدي اقتناع بأننا بحاجة إلى هيكلة للخطباء أكثر من احتياجنا لهيكلة الجيش فالخطباء يجيشون الجيوش كذلك. رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=466361380069609&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater