يعتقد المتابع للشأن اليمني أن أمور الدنيا في هذا البلد المغلوب على أمره تسير على خير ما يرام، وأن الذي يرجح الكفة لغير ذلك، هو عدم استقلال القضاء، ولذلك فإن وزارة العدل ناضلت على مختلف الجبهات لتحصل في الأخير وبعد نضال طويل وعريض على حق الاستقلال وهذا الحال يتبادر إلى ذهن اليمني كذلك خاصة الذي لم يجرب هذا الهزل ولم يدخل في معمعاته. القضاء في بلاد السعيدة لا يجب أن يستغل بل يجب أن يوضع تحت رقابة قضائية شعبية وإن كان ذلك أحد المبادئ الهامة للنظم الديمقراطية، إلا أنه في بلاد السعيدة من أجل أن يستقل فلابد له أن يمر بمراحل، حاله في ذلك حال الطفل حين الفطام. فاستقلال القضاء في بلاد الله لم يأت بجرة قلم أو صدور قرار جمهوري أو فرمان سلطاني، بل لقد أتى بعد صراعات ومراحل صارمة وشديدة الصرامة، في حق القضاة المتلاعبين بقيم العدالة وقدسيتها، حتى أصبح يستحق ذلك الاستقلال الذي نادى به علماء القانون وفطاحلته وناضلوا جميعاً كي يصبح هذا الاستقلال واقعاً في مختلف الدساتير والقوانين. فأي استغلال تنادي به وزارة العدل في بلاد السعيدة في ظل واقع قضائي محبط إن لم يكن عاملاً مساعداً في عدم استقرار الأوضاع في بلاد السعيدة، والوزارة تعرف هذا قبل غيرها وصاحب الدار أدرى بالذي فيها كما يعرف هذا الحال ابناء السعيدة ممن غضبت عليهم السماء، فأوقعتهم في فك هذا الغول. وأنا حقيقة لا أعرف تموضعاً لمثل هذه الدعوات التي تريد أن نتساوى فيها مع العالم المتحضر الذي قطع شوطاً كبيراً في صراعه مع الحياة ومع التجديد والتحديث لمختلف مؤسساته ولمختلف قوانينه ونظمه، وبما يسخر هذه القوانين والنظم لخدمة الإنسان ومن أيسر الطرق وأسهلها وبدون تعقيدات وتداخل ومخارج ما أنزل الله بها من سلطان، فهل تحقق ذلك لأبناء السعيدة؟. إننا لانزال نعاني من مختلف الأمراض ومن كل الويلات، والقوانين في بلاد السعيدة مثل الهشيم تبعثره رياح القاضي وأهواؤه حيث شاءت. دعونا نتساءل هنا حول من هو من أبناء السعيدة ممن قد ساقته الأقدار إلى بعض أعضاء هذه المؤسسة ولم يكتو بنارها ويقهر عند شواطئها؟؟. وإلى أى درجة فقدت معها هذه المؤسسة بفعل ممارسة البعض ، نقول البعض لأن هناك في هذه المؤسسة على درجة عالية من النزاهة والنقاء، فقدت معها ثقة الناس ويقينهم، مما حدا هذا الحال بالعديد في بلاد السعيدة إلى اللجوء لأخذ حقهم بأنفسهم، ممن اعتدى على حق من حقوقهم وما قضايا الثأر التي تطال الكثير من بلاد السعيدة إلا خير دليل على تمادي البعض في السير بالعدالة في الاتجاهات المعاكسة. وهناك الكثير من القضايا التي تكون سبباً إلى دفع الناس إلى الاقتتال وإلى أخذ حقها بزند العصبية والقبيلة، وهناك أيضاً من يعمل على أن يظل ناس هذا الوطن المغلوبون على أمرهم مربوطين ومقيدين بسلاسل القبيلة ولا يريدون لهم فكاكاً. ثم من هو من أبناء السعيدة خاصة المناطق التي باعها طويل في التقاضي وفي فتح نيران “ الشريعة المزعومة” التي لا ترحم وذلك على نفسها وعلى خصومها لتصادف بعض الحكام ممن لا يخافون الله ولا يتقونه ليعملوا على إحلال سكينته وقدسية عدالته، فيأتون على الأخضر واليابس ونحن جميعاً قد شاهدنا طول تلك الأحكام التي يصل بعضها إلى أكثر من عشرة أمتار. كما أن الحال سيظل هو الحال إلى أن تقوم الساعة، إذا لم يوجد من يوقف هذا النشاط المدمر للأخلاق والقيم السامية ويصون الحقوق ويقيم العدل الذي أمر به المولى عز وجل في علاه وكذلك القوانين المنظمة للعلاقات بين الناس ولسير العدالة. دعونا نذكر بأنه قد مضت خمسون عاماً على الثورة السبتمبرية والأكتوبرية الخالدتين ،وقبل أيام قلائل احتفل شعبنا باليوبيل الذهبي للثورة بمعنى من المعاني فإنه يكون من المحزن، أن تمضي كل تلك السنين في حين ما يزال إنساننا في بلاد السعيدة يعاني من مختلف الويلات والاخلالات الواقعة على حياته والمتعلقة بأمنه وسلمه الاجتماعي وقلة حيلته في التنعم بشيء من هذه المسماة العدالة.. إن العديد من المجتمعات تعاني في العديد من حياتها من بعض الاخلالات والسلبيات إلا في جانب القضاء هذا الصرح الشامخ في العديد من البلدان، هو ما يجعل الناس تطمئن على عيشها وعلى حياتها في حلها وترحالها ويجعل من فرص الاستثمار كثيرة وبما يوسع فرص العمل وفرص العيش لشريحة كبيرة في المجتمع. ولذلك فقد قيل إن العديد من المستثمرين العرب والأجانب، كانوا يسألون عن حال القضاء في بلاد السعيدة، وليس خافياً على أحد تلك الإجابة وكم هي مخيبة للآمال، ليس للمستثمرين بل لكل اليمنيين الحالمين بغدٍ تنمو فيه عناقيد العدالة. ولذلك فأنا أعتقد أننا نكون في أمس الحاجة إلى استصدار قوانين خاصة بالشأن اليمني ووفقاً للحال المرير الذي آلت إليه أحوال البلاد والعباد، من سلوكيات مشينة وغير سوية وفي تقديرنا فإن القضاء يعتبر لاعباً مهم في هذا الحال. وعوداً على بدء أكرر القول بضرورة استصدار قوانين تفصل على قياس الناس ويكون فيها من الصرامة والشدة ما يجعل الفعل المخالف للسرية الإنسانية لا يتكرر ولا يوجد من يعمل على التماثل معه، كما أننا كذلك نكون بأمس الحاجة إلى استصدار قوانين تتعلق بتنظيم القضاء وتنظيم محاسبة القائمين عليه واتخاذ اشد العقوبات في حق المتجاوزين والمتلاعبين بقضايا الناس. نقول ذلك لكون القضاء هو بيت الداء، فإنه يتعين أن يصدر في حق القضاة المتلاعبين بأحوال الناس وقضاياهم والمزايدين على هذه القدسية للعدالة، أن يكونوا هم الأولى بتطبيق أشد القوانين في حقهم لأنهم وكما سبق القول هم العود الأعوج ولا يمكن للظل أن يستقيم إلا إذا استقاموا. يبقى موضوع الاستقلال هذا لا ينبغي أن يأتي على الألسنة في بلاد السعيدة لأنا لسنا في السويد ولا في أي دولة من الدول الاسكندنافية، ولا حتى في مصر العروبة التي يقال إن كل شيء فيها أصبح فاسداً ما عدا القضاء، والحال في بلاد السعيدة قد أتى عليها الفساد من أخمص قدميها وحتى فروة الرأس، وبشكل لم يعد يقوى فيه على التشافي من هذا الداء المدمر، إلا العمليات الجراحية بمعنى آخر فإنا لسنا بحاجة إلى استقلال القضاء فهو مستقل من حين وجد.. وهناك في قوانين البلاد ودستوره من المواد التي تنص على استقلالية القضاء ، فقط إن بعض القضاة هم الذين ليسوا مستقلين عن الرغبات والهوى. وعلى الوزارة أن تسعى جاهدة بالتنسيق مع بعض الأجهزة أو أن تعمل على إنشاء جهاز خاص بها ليعمل على رصد الاخلالات الواقعة على ناس هذا الوطن والمراوغات ومختلف المماطلات والتلاعبات الواقعة عليهم، وهناك داخل السجون العديد من أبناء السعيدة يقبعون لأشهر دون صدور أية أحكام في حقهم. وهناك من السماسرة والمنتفعين مع بعض الحكام لترويض المتقاضين ومغازلة جيوبهم، واعتقد أنه حان الأوان أن تتحمل الوزارة عبء التصدي للمسيئين والمخالفين من القضاة في بلاد السعيدة حيث طال احتمال المواطن، وفي تقديري فإنه لا يوجد شعب من شعوب الدنيا أكثر صبراً واحتمالاً من شعب بلاد السعيدة الذي نسأل له المولى أن يكون في عونه وأن يعينه على نفسه أول وعلى قضاته إنه سميع مجيب. يبقى هنا أن نؤكد بأن استفحال الحال لتصل إلى ما وصلت إليه من فساد وتدمير لمختلف القيم الرائعة والجميلة لتحل محلها قيم المنفعة وقيم الربح وتغلّب الجانب المادي والمصالح الخاصة على المصلحة العامة لناس هذا الوطن الجريح، وأعتقد أن مجمل الأسباب تعود إلى ما ذكر، فضلاً أن القائمين على شئون البلاد سابقاً قد ركبهم الغرور إلى درجة لم يعودوا يفتحون صدورهم وأذهانهم لكل ما كان يقال ويكتب من انتقادات وملاحظات بقصد إصلاح ما أعوج، حيث دبج العديد من الكتاب والصحفيين العديد من الكتابات والدراسات والأبحاث لإصلاح الاعوجاج الواقع على مختلف جوانب الحياة غير أن ذلك كان يواجه بالصد، وفي أحسن الأحوال لعدم الولاء للنظام والحقد والكراهية للقائمين عليه، أما الآن فاعتقد أنه يجب على الحكومة الموقرة أن تعير بعض الانتباه إلى ما يقال ويكتب من أجل التقييم والإصلاح للإخلالات وما أكثرها في بلاد السعيدة فهل هم فاعلون ..اللهم فاشهد. رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=467179806654433&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater