جاءتِ الوحدةُ اليمنية بهامشٍ ديمقراطي ، وبسقف ، تَمكَّن فيه الناسُ من إعلان « تَذمرِهم» من ممارساتٍ عانَوا منها في وحَداتهم الإدارية .. تمكن فيه الناس من إعلان«رغبتِهم» في ضرورة إحداث إصلاحات إدارية ، إقتصادية وسياسية .. إحداثِ تحول وتغيير في نظام الادارة المحلية ، ورغبتهم في نظام حكم محلي قادر على إحداث تنمية محلية مُستدامة . تزامنَ مع تحقيق الوحدة اليمنية ، تحقيقُ أهداف أخرى لثورتي سبتمبر وأكتوبر ، ظل الشعب اليمني في شماله وجنوبه ينتظر تحقيقها منذ عقود من الزمن .. جاءت الوحدة اليمنية بأدوات تغيير جديدة : الديمقراطية ، حرية صحافة وإعلام ، فعاليات ثقافية وسياسية ، مؤسسات ومنظمات غير حكومية ، مكونات شبابية ونوعية أخرى . أدواتُ تغيير ديمقراطية وتوازن ، كسرت حاجز الخوف عند النُخب السياسية وعند العامة ، كما كسرته ثورة 11 فبراير 2011 م أدوات تغيير جديدة بحماية « توازن» تولّد بعد الوحدة ، وبمباركة شعبية وتأييد دولي حَظِيتْ به اليمن وعديد من دول العالم ، فعمَّت المظاهرات والإعتصامات والمؤتمرات والفعاليات النوعية مُعظمَ محافظات الجمهورية اليمنية ، مناديةً ومطالبة بإصلاحات إدارية وأقتصادية وسياسية ، وإعطاء الوحدات الإدارية صلاحيات واختصاصات تُمكنها من إدارة شئونها المحلية وتوفير الخدمات العامة وإتاحة فرص للمشاركة في إتخاذ القرارات ورسم السياسات والقدرة على تنفيذها . توازن سياسي وإداري أوجده دمجُ دولتين في دولة واحدة« الجمهورية اليمنية» ودمج جهازين إداريين في جهاز إداري واحد ، تَمكَّن فيه عديد من الكفاءات والقدرات من شغل مواقعَ قيادية ، عسكرية وأمنية ومدنية .. وزراءُ ومحافظون ورؤساءُ منظمات ومؤسسات وأجهزة تنفيذية ، مدراءُ أمن محافظات ، مدراءُ مديريات وأمن مديريات ، ورؤساءُ أقسام شرطة .. الخ ، كان من الصعب شغلُها إلا بشروط ومعايير، تَفنَّن الحاكم في تحديدها مسبقاً ضمن ثقافة إقصائية ، وبفعلٍ قَُصَدَ به إدارة الدولة بآلية تبعُد مسافة طويلة عن النظام والقانون والعمل المؤسسي ، مُعجبة له ، تمكنه من الاستحواذ على السلطة والثروة ، والتحكم في أجهزة الدولة مركزياً ومحلياً .. محافظون ومدراء أمن ومسئولون محليون ، ولأول مرة تُعْطى لهم مساحةُ تحرك وإدارة وأتخاذ قرارات تخدم المحليات .. توازن أوجدته الوحدة وأستمر حتى حرب 94 م ، كان يمكن إستغلاله في التحول ، وكان فيه ما يُمَكن ويُعيِن اليمنيين على إيجاد دولة عصرية ونظام حكم محلي يعكس طموحهم في اللامركزية . جدلٌ ونقاشٌ واسعَين بين أوساط سياسية وإدارية وأكاديميين مُنذ تحقيق الوحدة اليمنية ، حول أي نظام حكم محلي يمكن ممارسته في اليمن وحول مفاهيمِ «الادارة المحلية» و « الحكم المحلي » و« اللامركزية الإدارية والمالية والسياسية » ، وأخذت الحكومات اليمنية المُتعاقبة تُجري مشاورات وتواصل مع عدد من حكومات ومنظمات إقليمية ودولية لغرض التعرف على أنظمة حكم محلية فيها ، أو للحصول على« أُنموذج » تقدمه منظمات دولية يمكن الاستفادة منه في صياغة مشروع قانون لنظام حكم محلي .. إجراءات وخطوات كانت تصطدم بعدم وجود «إرادة سياسية» من شأنها أن تُعينَ اليمنيين للوصول الى نظام حكم محلي يلبي تطلعاتهم . بعد حرب 94 م – وبضغط محلي ودولي – شعر الحاكم بأن عليه ضرورة توجيه الحكومة ب «تفويض» صلاحيات واختصاصات للمحافظات دون نقلها بقانون ، وفي النصف الثاني من العام 95 م عُقدَ إجتماع مُشترك للحكومة ومحافظي المحافظات نوقش فيه ما يدور حول اللامركزية وارتفاع سقف الدعوة والمطالبة بنظام حكم محلي ، يرى الحاكم في تطبيقه ما يُمَكِّن المحليات من استغلال مواردها وإيجاد مشاريع خدمية يعتبرها “ مَكْرُمات» يمنحها أو يمنعها هو وحده متى شاء ذلك ، خرج الاجتماع بقرارات تفويض المحافظات بجزء من صلاحيات واختصاصات السلطات المركزية «لاحظوا هنا» نقول تفويض للسلطة وليس نقلها بقانون .. تفويضٌ الغرض منه تهدئة أطراف محلية ودولية ، مُطالبة بتطبيق اللامركزية .. تفويض – على الرغم من محدوديته – ترتب عليه تفعيلُ أنشطة محلية وخلقُ فرص عمل . وفي أغسطس 1998 م عُقد « المؤتمر الوطني للإصلاح الإداري» في العاصمة صنعاء ، أحد محاوره الرئيسة «اللامركزية الإدارية والمالية في إطار مشروع قانون السلطة المحلية ومدى اتساقها مع عملية الإصلاح والتطوير الإداري» ، قُُدِّمَتْ حولَه أوراقُ عمل من عدد من المحافظات منها محافظة « إب» ، حيث تقدم كاتب المقال بورقة عمل عنوانها «التفويضات الإدارية والمالية في إطار اللامركزية الإدارية والمالية» ، خرج ذلك المؤتمر بتوصيات وقرارات لم تُنفذ على أرض الواقع وبقيت حبيسة الأدراج . تحليل موجز لوضع إداري محلي يعقبه تحليل موجز للوضع الراهن لنظام السلطة المحلية وبإستخدام أسلوب «المنهج العلمي التاريخي» ، وعمل تصور لنظام حكم محلي بإستخدام أسلوب « منهج النُظم» كل ذلك نتناوله في مقالات قادمة . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=467940803245000&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater