• رغم كثرة الحديث عن ظاهرة حمل السلاح وانتشارها في الأوساط العامة والتوعية بآثارها ومخاطرها المدمرة على الفرد والمجتمع، ورغم كل ما يُقال عن تنفيذ حملات أمنية بين الحين والآخر والهادفة افتراضاً القضاء على هذه الظاهرة السيئة أو على الأقل الحد منها، إلا أن هذه الظاهرة لا تزال في تزايد مستمر يوماً بعد آخر. • أصبح من المألوف أن نرى العديد من الأشخاص يسيرون في شوارع المدن وأحيائها سواء ليلاً أم نهاراً وهم يتمنطقون بالأسلحة النارية، وهناك الكثير من الحوادث التي تكاد تكون يومية يذهب ضحيتها أناس أبرياء، فما إن ينشب خلاف بين اثنين ولو كان لأتفه الأسباب حتى نرى كل واحد منهم يبدأ بجمع أنصاره (شلته) من المسلحين، وكأننا نعيش في عصور البداوة والتخلف، مع أننا نعيش في القرن الواحد والعشرين، حيث يجب أن تكون السلوكيات المدنية الحضارية هي السائدة وليس منطق القوة وشريعة الغاب، أيضاً هناك العودة القوية لظاهرة إطلاق الأعيرة النارية في الأعراس، حيث تحولت حفلات الأعراس في ظل غياب وتراخي الأجهزة الأمنية عن القيام بمهامها إلى مناسبات للتباري في إطلاق الأعيرة النارية. • إن القضاء على هذه الظاهرة غير الحضارية يتطلب أولاً وجود قانون فاعل لتنظيم حمل السلاح وضرورة تطبيقه بشفافية وعدم انتقائية، بحيث يلتزم به الجميع، رئيساً كان أم مرؤوساً، على أن الخطوة الأولى يجب أن تأتي من الأجهزة الأمنية وذلك بتنفيذ حملة أمنية طويلة المدى وواسعة النطاق لا أن يكون الأمر بشكل موسمي أو مناسباتي كما جرت العادة، حتى يعتاد الناس على وجود النظام والقانون ويؤمنون بحضور الدولة الفعال وبعدها سيصبح الالتزام تلقائياً. • وأيضاً من الإجراءات التي يجب اتخاذها للتخفيف من حدة هذه الظاهرة المزعجة تتمثل في منع العسكريين من التجوال بالملابس المدنية وهم متمنطقون أسلحتهم، لأن المواطن العادي لا يعرف أنهم عسكريون، إنما يرى أشخاصاً يحملون السلاح وهو الأمر الذي يولد لديه رغبة بمحاكاتهم والتمنطق بالسلاح إسوة بهم. • ولعل أهم الأسباب الرئيسة لاستمرار هذه الظاهرة هو غياب الأمن والعدالة، وربما هذا الأمر هو ما يدفع البعض إلى اللجوء إلى خيار توفير الحماية الشخصية لنفسه وبيته وممتلكاته في ظل الغياب الأمني، وأيضاً عندما يغيب العدل ولا يجد المواطن من ينصفه ويعيد إليه حقه، فإنه يجد مبرراً للجوء إلى أخذ حقه بيده واتباع الأسلوب الذي يراه كفيلاً باستعادته ولو كان عن طريق ارتكاب جريمة، فيلجأ هؤلاء إلى حمل السلاح واستخدام المرافقين لحمايتهم أو اللجوء إلى أساليب القوة لاستعادة حقوقهم المسلوبة، ولو أن الأمن مستتب والقضاء يقوم بواجبه في إنصاف المظلومين وإعادة الحقوق إلى أصحابها لما وجدت هذه السلوكيات ولأمن الناس على أرواحهم وممتلكاتهم ولخفت ظاهرة حمل السلاح. • مسئولونا على اعتبار أنهم نخبة مميزة من المجتمع يفترض أن يكونوا قدوة حسنة وأنموذجاً مثالياً للثقافة المدنية الراقية بسلوكياتهم وتصرفاتهم وفي تقيدهم بالقوانين ومنها قانون منع حمل السلاح، لكن ما يحصل أن جل هؤلاء المسئولين لا يخطون خطوة واحدة إلا وسط موكب من المرافقين المسلحين، فليس من المقبول أن نطلب من الناس الالتزام بعدم حمل السلاح، بينما يرون مسئوليهم لا يمثلون قدوة لهم وهم أول من يضربون بالقانون عرض الحائط، حيث نجد لديهم كماً كبيراً من المرافقين المدججين بالأسلحة على اختلاف أنواعها، فلا يستقيم أن يأمروا الناس وينسون أنفسهم.. إذا أردنا القضاء على هذه الظاهرة المزعجة فلتكن البداية من هؤلاء المسئولين، بحيث يكتفي كل مسئول بمرافق وحيد. • باعتقادي أن مكافحة ظاهرة حمل السلاح يجب أن تتمثل كسلوك بالتوازي مع إجراءات قانونية نافذة لا تعرف التهاون والتراخي، أي أن الفرد منا يجب أن يكون على قناعة تامة بأن حمل السلاح سلوك مرفوض ومقيت، وأن التخلي عن حمل السلاح هو انتصار للمدنية المنشودة والسلوك الحضاري الراقي، وأن السلاح ليس زينة للرجل كما يتوهم البعض، بل العقل وحده هو زينة الرجل وشتان بين الاثنين، فالعقل ينجي صاحبه من المهالك، بينما السلاح يودي بصاحبه إلى المهالك، كما يخلف آثاراً سلبية عميقة في المجتمع ومشاكل لا أول لها ولا آخر. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=468275449878202&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater