المرحلة التي يمر بها وطننا اليمني هي واحدة من تلك المراحل الصعبة والموجعة في تاريخه وما أكثرها, لسبب بارز وأساسي وهو أن العدو الذي يقف خلف كل التداعيات والأوجاع المتتالية وخلال خمسين عاماً من عمر الزخم الثوري هو التخلف القابع في وعي وثقافة الإنسان اليمني والذي مازال يشكل الخطر الحقيقي في طريق التحول والتغيير الذي ينشده ويتطلع إليه. صفحات التاريخ اليمني في القديم والوسيط والحديث تبرز لنا ذلك السبب خاصة عندما لانجد عنصراً أجنبياً يتربع السلطة ويحكم وسطاً ومجتمعاً تتزاحم فيه المتناقضات, لأن الأجنبي القادم من خارج الحدود الاجتماعية والجغرافيا اليمنية سرعان مايجد الحلول الداعمة لسلطته والتفاف الأطراف المتنازعة حوله, بل وتسابقهم لنيل الحظوة لديه والمودة والقربى منه, وفي صفحات وحقب ومراحل التاريخ ما يدعم قولنا هذا الذي قد لا يعجب الكثير على موضوعيته. مراحل السلطة التي يتربع فيها اليمنيون مقاليد الحكم تصاب غالباً بالفوضى وكثرة التمردات القبلية والإخلالات والاضطرابات, وقصر فترة الاستقرار بسبب تكالب المرتزقة لمن يتوقون للمنافسة والمغالبة ولو على حساب وجماجم اليمنيين, تتعاظم المواجع وموجات العنف مما يؤدي إلى تعرض المجتمع اليمني للانقسام والتشظي والضعف وتحوله إلى غنيمة سهلة للأجنبي القادم من خارج الحدود. صفحات تاريخنا اليمني أوجاع تكاد تقطر دمعاً ودماً, صراعات لاتنتهي, تتجدد بالعنف كل يوم ضد بعضنا البعض, لانجد لأحقادنا ضد أنفسنا ومن حولنا بداية ولا نهاية, تتوزعنا المكايدات والمنازعات والثارات وصور الاستقواء مثل خيوط العنكبوت, لاتترك صغيراً أو كبيراً إلا ومنحته من الأوجاع مايتعب حالته وتفكيره. الثورات اليمنية التي شكلت إجماعاً جماهيرياً بضرورة التغيير والاصلاح وإعادة الاعتبار للإنسان اليمني, سرعان ما ينفرط ذلك الإجماع، ويبدأ التنازع والتآمر يدب في علاقاتنا وحواراتنا, ومعه يتشكل الكابوس المرعب من خلال العنف والاستقواء والاحتواء والإقصاء وحب التملك والاستعداد, كأن الثورة لم تكن سوى جسر لعبور المتنفذين الجدد, الأمر الذي يدفع بالمجتمع إلى صور جديدة من المعاناة والأوجاع. ارتدادنا السريع عن مشاريع التغيير والإصلاح وانسياقنا باتجاه الفساد والعبث يبدو أنه مرتبط بوعينا وتفكيرنا غير القادر على التحول وفق نواميس الحياة والتجدد مع متطلبات الواقع, مما يدفع بنا إلى الحركة بالاتجاه المعاكس والمضاد للتطور والتنمية الاجتماعية إنجازاتنا التاريخية تتحول إلى أوجاع وحسابات تتوزع القوى والمحاور في المجتمع, كل طرف يسعى لإقصاء الأطراف الأخرى وصولاً إلى حالة من الانفراد بالسلطة والنفوذ والمال وتكثير المؤيدين والأتباع, الأمر الذي يخرج المشروع الثوري المتطلع للتغيير واحداث التحول عن مساره إلى متاهات وصراعات جديدة تستنزف مقومات وإمكانيات المجتمع, تضيف إلى أوجاعه أوجاعاً ومتاعب لاحدود لها. المنجز الوحدوي على عظمته وتاريخيته وفائدته المتعاظمة للمجتمع اليمني, استغلته بعض القوى ومراكز النفوذ, حولته إلى مصدر للثرى والمكايدة وتوسيع دائرة العبث والاحتواء والتملك, لانريده أن يتحول إلى وجع قاتل للمجتمع اليمني, أملنا بلطف الله كبير, دعوتنا للقيادة والقوى السياسية أن يكونوا بمستوى المنجز الوحدوي وألا يقفوا حيث عسكر المتهالكون, عليهم أن يكتبوا صفحة جديدة في تاريخ اليمن خالية من الأوجاع ورهانات الضياء والعشق القاتل للسلطة. رابط المقال على الفيس بوك