صفقت قلوب اليمنيين قبل أيديهم وطربت أرواحهم قبل حناجرهم يوم التأمت الأسرة اليمنية وأزالت كابوس الفرقة والتشطير وأعلنت اليمن الأرض والإنسان للعالم أن عهداً جديداً قد بدأ في مايو 1990م. كان الحدث العظيم أكبر من قدراتنا العقلية وأرفع من مستوى الفهم والإدراك لدى النخب والقيادات والقبيلة والحكومات التي تعاقبت خلال العقدين الماضيين، ظل الجميع في حالة انبهار ونشوة، تموضع اليمنيون عند تلك اللحظة وتكلس وعيهم في شكل الحدث ودويه وصداه الإقليمي والأممي ليس إلا. لم تستوعب القيادات والنخب السياسية والثقافية والاجتماعية والقبلية عظمة المنجز وقدرة الحدث على تحقيق التحول والتغير في وعي وتفكير وقيم وسلوك الإنسان اليمني بقي الجميع عند نقطة البداية يدورون حولها، يرتبون صراعاتهم الأنانية للاستحواذ على كل ما يمت إلى ذلك المنجز بصلة حتى تحول الأمر إلى إقصاء واستحواذ وتملك ونهب وإثراء فاحش على حساب وحدة اليمن واليمنيين. المؤسف أن ثقافة المجتمع بقيت راكدة لم تتطور مع الزمن والمنجز الوحدوي، شكلتها القيادات وفق حاجاتها ومصالحها ومستوى وعيها بالمرحلة، ذهب المتنفذون ليصنعوا لأنفسهم أبراجاً وثروات وإقطاعيات وتاريخاً وأسراباً من المصفقين والجياع وثقافة جديدة تؤسس لمجتمع ممسوخ يسهل السيطرة عليه، أما ثقافة الوحدة واليمن الجديد فقد تم تعطيلها والحيلولة دون تفعيلها من جديد أو تحولها إلى حراك يومي للمجتمع. ظلت الصراعات الخفية بين فرقاء السياسة والقبيلة والمصالح سيدة الموقف، تحولت القيادات إلى دوائر ومراكز قوى ونفوذ ومجمعات للنهب والمتاجرة والتملك اللا مشروع لكل ما يقع تحت أعينهم، أصبح الوطن إقطاعيات خاصة لمجموعة من المرتزقة، أما المنجز الوحدوي فلم يعد أكثر من شعور متعب يتملك البسطاء ويخفف من سطوة وقسوة السلطة والحياة معاً. لو كنا نعلم أن السلطة ومعها المتنفذون والنخب الديكورية سيتاجرون باليمن وشعبه ووحدته وحاضره ومستقبله لتحولنا إلى شرارات ملتهبة تحرقهم منذ البداية حتى لا يصاب المنجز الوحدوي بسببهم بالعقم والتآكل بدلاً من النمو والتحول. مازلت أتذكر نشوة القيادة وخروجها عن التغطية والوعي حين قال الرئيس السابق: إذا أرادت ألمانيا أن نرسل لها خبراء في الوحدة فليس لدينا مانعاً.. الحمد لله أننا لم نرسل ولم ولن يطلب الألمان منا مثل ذلك، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، أعتقد أن مجرد تذكر مثل ذلك الهذيان اللا مسئول يجعلنا نقف أمام المرآة ونضحك على جهلنا وحالنا حتى البكاء. الصراعات أفقدت الإنسان اليمني توازنه واحترامه لنفسه وتقدير الآخرين له، إذا كانت الصراعات ستحكم وتتحكم بحاضرنا ومستقبلنا فعلينا أن نضع حداً لها وننهي الأسباب المؤدية إليها.. إذا كنا نستطيع ذلك ونقدر عليه، أما إذا كانت تلك الصراعات ستؤدي إلى مزيد من الفرقة والشتات فعلينا أن نقف أمام الوحدة اليمنية بمسئولية نكون أولا نكون، نستمر في توحدنا أو نتحول إلى مشيخات ومربعات وسلطنات وإمارات للحروب واستنساخ للمجاهدين والانتحاريين والفاتحين الجديد. الخيارات المتداولة باتت أشبه بالكوابيس والحكايات والأساطير التي كنا نسمعها من كبار السن في قريتنا في مرحلة الطفولة كأننا لم نفارق طفولتنا ولم تنفصل عنا تلك الحكايات والاساطير البدائية والسيناريوهات البريئة. صراعات المرتزقة وخيارات الكينونة وفقدان بوصلة الحكمة أنباء لا زالت تحفر نحو الأخدود الأكبر في ذاكرة التاريخ المعاصر لليمن الجديد.. نسأل الله السلامة.