في اليمن لم تقم دولة حقيقة مكتملة الأركان والشروط منذ قرون طويلة , هكذا تقول مابين ايدينا من كتب , منذ زمن دولة المتوكل على الله إسماعيل أحد اشهر أئمة الدولة القاسمية والذي وصلت حدود دولته الى مدينة صلالة التي تتبع سلطنة عمان اليوم وفي التاريخ أيضاً لم تتوحد اليمن على مر العصور والحقب المتتالية إلا في ثلاثة عهود المرة الأولى في عهد اسعد الكامل الحميري والثانية في عهد المتوكل على الله إسماعيل , والثالثة في عهد علي بن محمد الصليحي , أتت ثورة سبتمبر وهي بالمناسبة كانت ثورة نخبة درست في القاهرة وتحالفت مع العسكر والقبائل حينها , كما تحالفت مع النظام الناصري وقتها بالطبع , لم تنتج دولة حقيقية , وربما مات المشروع الثوري بموت قائديها أو أبرزهم على الاقل (علي عبد المغني والزبيري ) , لذلك الثورة الحالية عليها مسئولية كبيرة في انتاج جمهورية على الأقل , لأن الثورة السابقة بعد خمسين عاماً وابناء الشعب يطلقون الأعيرة النارية أمام وزارة الدفاع ورئاسة الدولة , خمسون عاماً من الخيبة والفشل بسبب غياب المشروع الوطني والقوة الحاملة لمشروع الدولة لصالح المشاريع الصغيرة حتى اليوم. كان محمد حسنين هيكل يقول في سنوات الغليان أن اليمن توفرت لها فرصة في بناء دولة حديثة بعد ثورة سبتمبر ,ولكن سرعان ما سقط الحلم بسلسلة الانقلابات والتي أعادت العسكر منتصف السبعينيات بسقوط حكم الرئيس المدني القاضي عبدالرحمن الارياني أتى الحمدي من حضن العكسر لكنه استطاع أن يحمل مشروع دولة لكنه وئد أيضاً لأن سنة الانقلابات أصبحت تطغى على المشهد , ثلث قرن من حكم العصابة أنهته ثورة التغيير السلمية ولم تقلع جذوره بعد, لكنها أعادت الى الذهنية اليمنية أن عليها بناء وطن مثل باقي شعوب الأرض وهذا اهم اهداف الثورة , لا يهم شكل الدولة مادام جمهوريا وديمقراطيا وحسب , بمعنى كانت الدولة اندماجية أو فيدرالية , مدنية أو يحكمها أئمة مساجد ماداموا يؤمنون بتلك الأساسيات السابقة . القوى السياسية في اليمن هشة البنية وتفتقد لأبجديات ومتطلبات الإدارة والحكم الاحزاب السياسية موجودة وكانت تقارع صالح ولو على خجل أي تخاف من امتطاء حصان عنترة العبسي لحظة سقوط المدينة الفاضلة , لكن الثورات العربية أتت بنموذج الحركات الاسلامية ربما لأنها الاكثر تماسكاً في المواجهة ومقارعة الطغاة لأنها تشربت من فكر عبدالرحمن الكواكبي, كانت الحركات الاسلامية من تونس الخضراء حتى صنعاء وضاح اليمن تتصدر مشروع مقارعة الانظمة لذلك الشعوب اعطتها ثقتها في تسلم مقاليد الدولة في المستقبل , خصوصاً مع سقوط مشاريع كثيرة مثل القومية واليسار ودعاة الحداثة ربما لأنهم يفتقدون لديناميكية تحتاجها الشعوب , لاعلاقة هنا لهذا السقوط بإسلام أو كفر بقدر ماهو فكر ومشاريع حياة لم تستطع تقديمها هذه الحركات , فلطالما كنا نتكلم عن القوة الضاغطة أو القوة الحاملة والتي تمتلك شريحة من الناس لديها القدرة على ركوب قطار النهضة نحو الامام . التجمع اليمني للإصلاح في اليمن يمتلك أكبر قاعدة شعبية في اليمن جنوباً وشمالاً, وهذا نتج عن عمل دؤوب وبناء لعقود من الزمن مع سقوط الأحزاب الأخرى كالمؤتمر الشعبي العام مثلاً, والذي كل يوم يسقط كأعجاز نخل منقعر, وهذا ناتج طبيعي فمن لم يستطع تقديم خبز للجائعين خلال ثلث قرن لن يأتي بعد هذا العمر ويقود دولة حديثة مثلاً, الأحزاب الأخرى قاعدتها ضعيفة وربما عليها أن تهتم بقواعدها وتحاول إعادة لملمة صفوفها كي تشارك بفاعلية في المستقبل, ليس تاريخ حزب الاصلاح كله النور لكنه يملك وميضاً كبيراً من النور فشباب الاصلاح خلال السنين الفائتة والتي من ضمنها ثورة الشباب , كانوا في مقدمة الصفوف وشيوخه أيضا , يمتلك حزب الاصلاح من الاطباء والمهندسين والاعلاميين والكتاب مايمكنه ادارة بلد كبير كاليمن ولو وفق معايير عادية , لاتمتلك الاحزاب الاخرى هذه القاعدة ومشاريع النهضة لايمكن أن تقودها فلسفة مثقف كبير , أو عبقرية مخترع عالمي لأنه يغني وحيداً أو هكذا كانت تقول لنا الأمم . النهضة في اليمن أو الدولة لابد وأن يكون نموذجها احتشادياً يرتكز على الطاقات الشعبية , لأنه لايوجد بنية حقيقية سوى مؤسسات شكلية تحتاج لبث روح الحياة فيها لتعمل من جديد , جرى التخويف من سيطرة حزب الاصلاح على المشهد وتم التجييش لهذا المصطلح منذ انطلاق الثورة , هذا غير صحيح حسب ياسين نعمان المفكر اليمني اليساري الكبير , طالما وجدت الدولة وآمنت هذه الحركة بالديمقراطية والدولة الحديثة فمم الخوف , خصوصاً وأنها جزء من تيار عالمي احد أعضائة أوصل تركيا الى المرتبة السادس عشرة عالمياً في مؤشرات الاقتصاد , ونماذج النهضة كثيرة وتسير بخطى واثقة فلم الخوف والمشكاة واحدة , ثانيا علينا أن نسأل من هي القوى البديلة؟ فالثورة اليمنية فتحت البركان ولم تحل المشاكل حتى الآن يعني القوى التي تطل بمشاريع الف ليلة وليلة وحكم الأسرة والفرد بأتوقراطية يرفضها ابناء القرن الحادي والعشرين . على كل القوى ان تتحمل مسئولياتها وعلى حزب الاصلاح أن يقود مشروع الدولة الحديثة وأن ينتقل الى طور الدولة والمجتمع والأمة فالفشل يعني عودة القوى القديمة الى الساحة من جديد , ونهاية آخر فرصة للتغيير ستعني نهاية الكثير فلاجمهورية البن ولامملكة القات ستكون على الخارطة , وتلك اليمن تنتظر نتائج الحوار الذي لم ينطلق بعد وهو سيكون آخر قوارب النجاة ,أو ربما يكون آخر إسفين في نعش الوطن الجريح وهذا مالانتمناه . رابط المقال على الفيس بوك