الحوار مبدأ تربوي أقرّه الإسلام وأقرّته جميع الديانات السماوية وجميع الأمم على مر العصور, فالبشر مُلزمون بالحوار فيما بينهم لحل مشاكلهم واختلافاتهم؛ لأن عدم الحوار يعني غياب العقل واللجوء إلى المواجهة بالأيدي واستخدام السلاح وقتل الأبرياء, وعبر التاريخ الإنساني زهقت أرواح ملايين الأبرياء، وكان السبب غياب العقل في حل الاختلافات بين المتخاصمين فقام السلاح بواجبه. وجاء الحوار في القرآن الكريم على عدة صور, فكان هناك حوار بين الله سبحانه و تعالى وبعض الأنبياء, كذلك كان هناك حوار بين الله سبحانه وتعالى وبين إبليس الرجيم, وكذلك بين أصحاب النار وأصحاب الجنة...إلخ. وهذا كله ليعلمنا الله تعالى أن الحوار مهم وليس له حدود ولا سقف معين, فلم يغضب الله تعالى من محاورة إبليس له, بل حاوره ووافق على طلبه بأن يجعله من المنظرين, وأعطاه (الحصانة) حتى حين, وكان نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام يتحاور مع كل فئات المجتمع سواء كانوا كفاراً أو يهوداً أو نصارى, كما أن ذكر الحوار في القرآن الكريم والسنة النبوية يعلمنا أيضاً أن الحوار مبدأ تربوي يجب أن يتربى الناس عليه, بحيث يصبح سلوكاً في حياتهم. و كأن الله عز وجل يأمرنا بأن نجعل الحوار أسلوب حياة نمارسه في كل مواقف حياتنا, فالأب يجب أن يمارس مبدأ الحوار في بيته ومع الأسرة, ومدير المدرسة يجب أن يمارس هذا المبدأ في كل أمور المدرسة فعليه محاورة المعلمين والطلبة وأولياء الأمور والعمال, وكذلك على المحافظ والوزير وحتى رئيس الدولة. ومن هنا تبرز أهمية الحوار في حياتنا وأصبح الحوار صفة تُطلق على الإنسان المتقدم والمتحضر, فكلما كان الإنسان يؤمن بالحوار ويمارسه كسلوك في حياته أصبح هذا الإنسان متحضراً وينعكس ذلك على الدول, وإن الدول المتقدمة والمتحضرة هي الدول التي تعتمد مبدأ الحوار في حل مشكلاتها على عكس الدول المتخلفة. وخلاصة القول: إن مؤتمر الحوار الوطني القادم في بلادنا يجب أن يلتزم فيه المتحاورون بآداب الحوار التي جاءت في القرآن الكريم والسنة المشرفة, حيث يجب أن نتحاور دون أن نحمل على بعضنا الحقد والكراهية, ودون أن لا ينظر كل منا إلى الآخر نظرة ً دونية ً أو استعلاء, يجب أن يُسمع من الكل, وعلى كل مكون سياسي أن يطرح ما يراه بكل حرية وشفافية. وأن يكون الحوار بعيداً عن التهديد والوعيد والضغط والاستفزاز, ويجب الابتعاد عن الكذب والخداع واللف والدوران والضحك على الذقون, ويجب احترام كل الرؤى والأفكار التي ستُطرح دون إقصاء أو تمييز, تلك هي آداب الحوار في الإسلام وفي التراث الإنساني برمته. وفي الأخير: يجب علينا أن نرفع أنفسنا كمتحاورين إلى مستوى الحدث, إلى مستوى طموح شعبنا, إلى مستوى الحكمة اليمانية, يجب أن نكون كباراً في نظر شعبنا, كباراً بنظر العالم, كباراً في حوارنا, كباراً في طرح رؤانا وكباراً في تحقيق طموحات شعبنا. فشعبنا اليمني والعالم من حولنا ينظر إلينا وماذا سنعمل وكيف سنتحاور وهل سنكون عند مستوى الظن وهل سنستطيع النجاح في حوارنا والخروج باليمن من مأزقها السياسي ومن عنق الزجاجة وإلى بر الأمان وإلى إرساء القواعد الأساسية لبناء دولة النظام والقانون؟!. وهل سنتجاوز خلافاتنا وترك مشاريعنا الصغيرة؟ وهل يمكن أن نجعل مصلحة الوطن والشعب العظيم فوق كل اعتبار؟!. فلنلتف جميعاً حول المشروع الكبير: بناء الدولة المدنية الحديثة. رابط المقال على الفيس بوك