منذ أكثر من أسبوعين والمشهد السياسي المتأزم في الشقيقة مصر لم يتغير، بل ازداد سوءاً لاسيما بعد إصدار الرئيس المصري محمد مرسي إعلاناً دستورياً جديداً والإصرار على التمسك بإجراء الاستفتاء على الدستور الجديد في موعده المحدد منتصف ديسمبر الجاري.. وأمام هذا المشهد السياسي المحتدم وتمسك طرفي الأزمة بمواقفهم زاد الصراع الإعلامي احتداماً، وبدت مختلف الوسائل الإعلامية المصرية التابعة لطرفي الأزمة تستخدم كل الفنون الإعلامية الهادفة إلى حشد الجماهير المصرية نحو مواجهة حقيقية لن تخلو بالتأكيد من استخدام العنف وسقوط المزيد من الضحايا، وقد تقود إلى دخول مصر الثورة في معترك الفوضى والعنف الذي قد يصعب احتواؤه. وبين التراشق الإعلامي وتبادل الاتهامات حول ما حدث بالقرب من قصر الاتحادية وسقوط ضحايا تكشف الصورة المبثوثة مدى القدرة على قلب الحقائق وتزييف الوقائع ويظهر الظالم مظلوماً والمعتدي معتدى عليه.. وهذا الفن لا يجيده إلا من لديه الخبرة الواسعة في التلفيق والتدليس وصاحب المصلحة الحقيقية في تمرير سياساته، وإن أدى ذلك كما قال أحد قادة الإخوان المسلمين إلى تقديم مليون شهيد.. هذا الفن الإعلامي وهذه القدرة العجيبة على تزييف الوقائع وقلب الأحداث تصيب المشاهد والمتتبع منا بالدهشة.. حيث إن ما حصل أمام قصر الاتحادية كان واضحاً، ويكشف من هو المعتدي ومن كان المعتدى عليه، ومن تسبب بتلك الأحداث المؤسفة ومن أي طرف كانوا الضحايا.. ولا عجب في استخدام أحد الطرفين أسلوب التلفيق لنفي التهمة عن نفسه وإظهار براءته من الدماء التي سفكت والأرواح التي أزهقت، وإلصاقها بالطرف الآخر في إطار الحرب الإعلامية المتبادلة.. وإن وجد هذا الطرف في شماعة الفلول والنظام السابق ضالته لإخفاء الحقيقة والتلاعب بأحرفها وطمس معالمها.. الأحداث السائدة في مصر اليوم تكشف أن السياسة بلا أخلاق، كما تكشف أن للسلطة شهوة حقيقية تدفع من يصل إليها إلى التمسك بها، ولو كان على حساب الملايين من أبناء الشعب وعلى حساب الدين نفسه، وتكشف أيضاً عن التوظيف السيء للدين الإسلامي وتسخيره في خدمة السياسة، وبما يحقق أهداف ومصالح فئة معينة من الشعب.. ما يجري في مصر يضعنا أمام الكثير من التساؤلات: إلى أين تتجه مصر ومن المستفيد مما يحدث؟ وهل سيتمكن المصريون من الحفاظ على وحدتهم الوطنية والاستمرار في التعايش السلمي بين مختلف فئاتهم؟ أم أن الأحداث ستتصاعد أكثر وأكثر وتتسبب في إشعال فتيل الفوضى وانزلاق مصر وشعبها نحو الفتنة، وتكرار المشهد السوري في أسوأ حالاته مع هذا الإصرار والعناد والمكابرة من قبل الإخوان المسلمين الذين أعلنوا نيتهم لتقديم ملايين من الشهداء للحفاظ على سلطتهم؟!.. باستطاعة الرئيس المصري محمد مرسي أن ينهي كل صور التأزيم القائمة من خلال تقديم التنازلات ليس من أجل المعارضة ولكن من أجل مصر ووحدتها وأمنها واستقرارها.. محمد مرسي هو الوحيد القادر على احتواء الموقف باعتباره رئيس الجمهورية، وهو المسؤول الأول عن أي أحداث تشهدها مصر، كما أنه المسؤول عن الحفاظ على الأمن القومي المصري الذي سيتضرر كثيراً إن اشتدت الأزمة وذهبت الأمور نحو الفوضى.. أما العناد والمكابرة وإعلان التحدي الواضح والصارخ الذي تكشف عنه قيادات جماعة الإخوان والتيارات السلفية الأخرى المتحالفة معها لن يجدي نفعاً بل سيعجل من نهاية وجود الإخوان في السلطة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك