نحن بحاجة لأن تتحول الكثير من التصرفات والأفعال إلى ثقافة، فيمارسها الفرد والمجتمع عن قناعة وبعفوية دون إكراه أو خوف أو تحت تأثير الحماس الوقتي الذي ينتهي فتعود بعده الأمور إلى سابق عهدها وربما إلى ما هو أسوأ فالحوار مثلاً لا يمكن أن تتحقق أهدافه وينجح ما لم يكن قناعة مكلفة في وعي المتحاورين، وما لم يكن مبدأ الحوار ثقافة راسخة عند المعنيين به وعند المجتمع بصفة عامة. عندما تكون ثقافة الحوار هي السائدة سوف تصمت البندقية ويختفي العنف وتتراجع فكرة الصراع والحرب والاقتتال والتمسك بالسلاح والرغبة في التسلح، وعلى مستوى المجتمع البسيط من أصغر تكويناته المتمثل في الأسرة الواحدة سوف نجني نفس الثمار من حيث قلة العنف والخلافات الدموية ولن نرى كل حالات القتل والحروب التي تدور لأتفه الأسباب لأن ثقافة العنف هي السائدة ولأن مبدأ البقاء للأقوى هو الأقوى حضوراً في ثقافة المجتمع ولذلك نرى أنه لأبسط سبب أو خلاف تخرج “الجنابي” من أغمادها، ويتم اللجوء إلى مختلف أنواع السلاح الناري في قضايا وخلافات تافهة للغاية ويمتد هذا الأمر صعوداً ليصل إلى خلافات القبائل وصولاً إلى الخلافات السياسية فنرى أن خيار الحرب واستخدام السلاح هو أول الخيارات حضوراً ولولا ضغوطات الخارج لحلت الكارثة. والحقيقة أن الحوار الذي يُذهب إليه دون قناعات ذاتية ودون إيمان بأهميته وبكونه السبيل الأمثل والأحسن لتجاوز المشكلات والخلافات لن يفضي إلى حلول دائمة وحاسمة. عندما يذهب المتحاورون إلى طاولة الحوار أو قاعته المخصصة للتحاور بدفع من أطراف إقليمية أو دولية وتحت تهديد بالعقوبات لمن يرفض لا تكون نتائج الحوار في هذه الحالة كنتائج حوار جاء عن قناعة مطلقة من قبل جميع أطرافه.. ربما تكون الضغوطات في الوقت الراهن هي الضمانة الوحيدة لمشاركة الجميع في الحوار المرتقب، وهي إيجابية بكل تأكيد وفيها مصلحة حقيقية للبلد والناس طالما لم يتحول بعد الحوار إلى ثقافة مجتمعية وسياسية تقنع الجميع بالتحاور الهادئ والمسئول من أجل حاضر البلد ومستقبله، ولعلنا نستفيد من هذا الوضع ومن الحوار القادم في التأسيس لثقافة الحوار والتخلي عن ثقافة العداوة والكراهية والعنف، ولغة “الجنبية” والبندقية التي سادت في الماضي وتعززت في الآونة الأخيرة ووصلت إلى مدن ومناطق كانت خالية منها إلى درجة كبيرة. عادت ثقافة العنف لتغزو محافظة الكتاب والقلم وهذا أمر ليس عفوياً بأي حال من الأحوال بقدر ماهو تعميم مقصود لثقافة الصراع والعنف، والغريب حقاً أن تكون محافظات العنف والجهل أكثر هدوءاً واستقراراً من محافظة تعز التي استبدلت منذ زمن البندقية بالقلم وسادت فيها ثقافة القراءة والتعليم، وكان ينبغي أن تعمم هذه الثقافة وتدعم لتستمر ولكن للأسف اختلطت الأوراق وسارت الأمور على غير مسارها الصحيح. أعود لأقول أن الحل الوحيد هو أن يعمل الجميع لخلق وتكريس ثقافة الحوار والتعايش والتسامح، وكل شيء ايجابي يجب أن يتحول إلى ثقافة عند الناس ليستمر ويتطور وتتحقق نتائجه على أرض الواقع ولا شيء غير ذلك ينفع البلد والناس. رابط المقال على الفيس بوك