جمالة البيضاني معجزة يمنية معاقة، ثارت على إعاقتها وعلى تقاليد تحبس فيها الأنثى وترى عيباً لابد أن يوارى وهي صحيحة معافاة، فما بالكم إن كانت معاقة في مجتمع ذكوري. لكن هيهات لهم أن تشل إعاقتهم الفكرية الإنسانية إرادة جمالة التى لم تعرف يوماً معنى للمستحيل ..بكرسيها المتحرك تنتفض وتتجاوز بإعاقتها حدود المكان والزمان لتخلص مثيلاتها من مصير محتوم ..وتبني حياة ملؤها الأمل والرضا والإنجاز لكثيرات . يمتد حبها وعطاؤها لكل الناس معاقين وأصحاء، فحبها بلا حدود ..تعمل ضمن نظرة اجتماعية قاصرة للمرأة خصوصاً إذا كانت معاقة لا تملك دعماً مالياً ولا سياسياً ولا اجتماعياً صعوباتها كثيرة وتحدياتها مخيفة، مشاكل الحياة من حولها معقدة وهي امرأة ..ومعاقة، فتأبى جمالة إلا أن تواجه كل ذلك بابتسامة مشرقة وأمل على الدوام.. تلك هي المعجزة جمالة صالح البيضاني، التي بدأت قصتها مذ كانت في السابعة من العمر بدأت بحمى شديدة وآلام شديدة لم يحتملها جسدها الصغير وانتهت بكرسي متحرك وشلل تام، ثم بدأت معجزتها لتسطر لنا سفراً من مجدها وصمودها في مواجهة الإعاقة الجسدية وإعاقة العقول الجامدة من حولها والتي حاولت أن توقفها لتموت بصمت بين جدران أربعة، كسائر النساء في هذا البلد خاضت حرباً وتحدياً لم ينكسر يوماً أو يرضخ لعقول لم تؤمن بدور المرأة يوماً بل وينظر إليها بازدراء وانتقاص لو كانت صحيحة فما بالكم بمعاقة !! في زيارة للمرحوم إبراهيم الفقي يتصل بها ويدعوها للحضور ويخبرها أنه في أول محاضرة في اليمن لن يدخل القاعة إلا ومعه رمز التحدي جمالة ..تعتذر جمالة فيخبرها مازحاً أنه سيقدم بها بلاغاً ويحضروها بالقوة، تأتي جمالةلاحقاًوتدخل القاعة فيصفق الجميع وينهاهم الفقي عن ذلك قائلاً: اليوم سأقدم لكم نموذجاً في الإدارة والتحدي ويقدم جمالة رائدة التحدي ويطلب منهم الوقوف لها احتراماً وتقديراً لجمالة، فأمام إرادتها كلنا نتعلم ..وكم نبدو عاجزين أمامك يا جمالة . جمالة البيضاني وفاطمة العاقل الكفيفة التي تحدت هي الأخرى الظلام وأشعلت النور في عيون كفيفات كثر، هما بحق رمزان يفترض أن يفتخر بهما الوطن بدلاً عن الافتخار بقادة الحرب وتجار الموت و المتهافتين على السلطة والمال، وللعلم فقط لم تقدم لهما الدولة أي مساعدة أو دعم يذكر بل ولربما كانت سبباً رئيسياً في اعاقة ما تقومان به . جمالة وفاطمة نموذجان لثورة ناجحة بتغيير ما كان بإرادة وتصميم جاءتا من رحم بيئة قبلية ذات عادات وتقاليد ظالمة ولا ترحم يرفض فيه جسد المعاق لو كان ذكراً فكيف به وهو انثى. مجتمع لا زال الغالبية فيه يرى أن المكان الطبيعي للمرأة المنزل وهي معافاة، وأما بالنسبة لمعاقة فهم يستكثرون عليها زاوية في إحدى الغرف تأكل بها وتشرب ما يجودون لها به، متمنين لها الموت محبين كانوا أو كارهين، لكن جمالة رحمها الله وفاطمة العاقل كانتا استثناء فصنعت كل واحدة منهما معجزتها الخاصة بإرادة لا تنكسر وعزيمة لا تقهر .. ليس الجسد محور الإنجاز، لكنها الروح التي تملك الإرادة لتثور وتناضل ضد مجتمع لا يعترف بالمرأة ولا بالإعاقة وضد دولة ونظام لا يحمي حقوق الأصحاء فكيف بالمعاقين. رحلت جمالة، من كانت تُجمل أخلاقنا، من رممت بعطائها عاهات مجتمعنا رحلت وتركت الباب مفتوحاً ربما لمعجزة أخرى قادمة تربت يوماً على يد جمالة .. أكثر من ثلاثة آلاف طفل معاق ومعاقة سيبكونك بحرقة ومرارة هذا المساء وسيتجرعون صعوبة اليُتم من بعدك .. جمالة. رحلت جمالة وللأسف قبل أن يكتمل أكبر مشاريعها ويرى النور وهو (مدينة التحدي) أول مدينة متخصصة في رعاية وتأهيل المعاقات في اليمن وتتكون من 19 مبنى، تم البدء بإنشائها في 2008م لكنها العادة في كل مشاريعنا التى تسير ببطء نحو التمام والإنجاز . كانت امرأة عظيمة بكل ما تعنيه الكلمة خسرها الوطن الذي وعلى ما يبدو قدره أن يمضي عنه ويودعه باكراً كل الشرفاء والأبطال ويعمر فيه طويلاً الأنذال واللصوص .. تغمد الله روحكِ الطاهرة بالرحمة والغفران وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان بخسارتك جمالة. رابط المقال على الفيس بوك