يجب أن لا ينجو النظام التربوي والتعليمي في بلاد العالم الثالث ومنها عالمنا العربي من اللوم والتقريع والمحاسبة على ما سببه من مشاكل لا حصر لها في المجتمعات، فلقد توقعت الشعوب العربية الكثير من النظام التعليمي حين نالت استقلالها بفعل تضحيات الآباء والأجداد من المخلصين للوطن، لكن حال التربية والتعليم اليوم لا يشير إلى أن الأوطان قد استفادت كثيراً من ثمرات هذا النظام الذي سمي تفاؤلاً تربوياً بالدرجة الأولى. لا يخفى على أحد حقيقة أن كل موظفي القطاعات العامة والخاصة هم نتاج النظام التربوي والتعليمي بالضرورة. وعلى نفس المنطق، يمكن القول إن الفساد الذي بتنا نشكو منه كل يوم هو منتج النظام التعليمي وأحد مخرجاته الأساسية، وعليه لا يمكن إعفاء هذا النظام من مسؤولية تخريج الفاسدين, لكننا أيضاً نلوم الأنظمة، فالنظام التربوي لا يعمل بمعزل عن مؤسسات مثل الأسرة والإعلام.. وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني، وفي المحصلة حين تفشل هذه الأنظمة مجتمعة يكون الفساد احد أهم منتجاتها... أدعو بقوة إلى فتح العيون على كل مظاهر النظام التربوي والتعليمي ونبش كل ملفاته، بحثاً عن ممارسات فاسدة من أجل فضحها والتعريف بها والضغط من أجل إصلاحها. إن الفساد لا يأتي من لا شيء، فهو مثل البكتيريا لا يعيش إلا في بيئات ملائمة توفر له العفن الكافي ليترعرع ثم ينشر بلاءه على العباد... يجب فتح العيون على جميع أطقم الأنظمة التعليمية وبدون استثناء أحد، فلا أحد بالضرورة محصن ضد الفساد. فأينما وجد المال أو السلطة وجدت هناك فرصة لبكتيريا الفساد لكي تتكاثر وتنتشر، فبكتيريا الفساد تعشق أصحاب المال والسلطة كما تحب الفراغات الإدارية والقانونية في أي مؤسسة تعليمية... هناك الإداريون والفنيون وكل من يعمل في الإجراءات البيروقراطية، وجميع هؤلاء عرضة للإصابة بجراثيم الفساد إن لم نحسن تحصينهم! وحيثما وجدت منافذ للاستفادة الشخصية أو الارتزاق غير المشروع تكون هناك ضرورة لأخذ الأمور على محمل الشبهات... الحرب على غول الفساد بجميع أصنافه يجب أن لا تتوقف, ويجب أن تكون حرباً مقدسة كنوع من الجهاد. كما يجب أن نطالب بإجراءات شفافة جدا عند أية معاملة أو حركة إدارية أو مالية، فالفساد التعليمي خطير وخطير جداً لأنه يمس جميع قطاعات المجتمع بلا استثناء... إن معظم القيم التي تحكم سلوكنا كبشر تأتي من المرحلة المبكرة في حياتنا، وعليه فإن خبراتنا في الأسرة والمدرسة ومن بعدها الجامعة هي التي توجه سلوكنا. كما أن ثقافة الفساد تتولد منذ الصغر، فالذي يسرق أو يغش هو نفسه الذي استساغ ذلك الفعل عند صباه، وللأسف يبدو أن مؤسساتنا التربوية تخلت عن ترسيخ القيم لحساب تعليم المعلومات وتحفيظها بالطرق الببغائية التي نعرفها وعانينا منها, لذا أتمنى على مؤسسات التربية والتعليم أن تتوقف عن تدريس جدول الضرب وشرح المبتدأ والخبر، وأن تكف عن إعراب جمل تافهة مثل ضرب زيد عمرا، وأن تنتبه من الآن فصاعداً إلى منظومة القيم الأخلاقية، فالفساد الذي نعانيه هو فساد أخلاقي وتربوي في المقام الأول... رابط المقال على الفيس بوك