تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    حضرموت هي الجنوب والجنوب حضرموت    الزنداني يلتقي بمؤسس تنظيم الاخوان حسن البنا في القاهرة وعمره 7 سنوات    حقائق سياسية إستراتيجية على الجنوبيين أن يدركوها    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    الضربة القاضية في الديربي.. نهاية حلم ليفربول والبريميرليغ    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    اليمن: حرب أم حوار؟ " البيض" يضع خيارًا ثالثًا على الطاولة!    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    شبوة تتوحد: حلف أبناء القبائل يشرع برامج 2024    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    وفاة نجل محافظ لحج: حشود غفيرة تشيع جثمان شائع التركي    إصابة مدني بانفجار لغم حوثي في ميدي غربي حجة    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    البرق بتريم يحجز بطاقة العبور للمربع بعد فوزه على الاتفاق بالحوطة في البطولة الرمضانية لكرة السلة بحضرموت    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    رئيس رابطة الليغا يفتح الباب للتوسع العالمي    يوكوهاما يصل لنهائي دوري أبطال آسيا    وزارة الداخلية تعلن الإطاحة بعشرات المتهمين بقضايا جنائية خلال يوم واحد    تحالف حقوقي يوثق 127 انتهاكاً جسيماً بحق الأطفال خلال 21 شهرا والمليشيات تتصدر القائمة    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    المهرة يواصل مشاركته الناجحة في بطولة المدن الآسيوية للشطرنج بروسيا    تحذير حوثي للأطباء من تسريب أي معلومات عن حالات مرض السرطان في صنعاء    بشرى سارة للمرضى اليمنيين الراغبين في العلاج في الهند.. فتح قسم قنصلي لإنهاء معاناتهم!!    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يصبح التعليم منبعاً للأزمات.. فأين المفر؟!
نشر في الجمهورية يوم 02 - 01 - 2012

لقد تأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن التربية هي مفتاح التنمية البشرية وقاعدة التنمية والنهضة الحضارية القادمة، كما بينته نتائج خبرات التنمية في كل دول العالم تقريباً. ولعل تشخيص المعوقات التربوية في اليمن، يمكن أن يكون دليلاً لمعالجتها، وانتشال نظم التعليم من كبوتها، ودافعاً لتقديم التربية على ما عداها، وجعلها تتبوأ مكانها الطليعي في قيادة تغيير المجتمع؛ إذ تؤكد نتائج الخبرات التربوية المعاصرة أن معدل تطوير التربية، لابد أن يكون أعلى من معدل التغير في بيئة المجتمع أو على الأقل مساوياً له، شريطة أن يسبق تطوير التربية التحولات التي يشهدها المجتمع أو المتوقع حدوثها، الناتجة عن التأثيرات الخارجية الدولية منها والإقليمية، حتى تهيأ التربية الأرضية الملائمة لحدوث التغيرات المرغوبة وتكييفها مع أنساق النظام العام للمجتمع، واستبعاد التغيرات غير المرغوبة.
مشكلات متعددة الأبعاد
وبنظرة تحليلية نقدية لواقع التنمية البشرية في اليمن وعلاقتها بالتربية، يبدو أنها تعاني عوائق ومشكلات من مختلف الأنواع تقريباً، تتجلى في الأبعاد التي تسبق التربية وتسبق معها بدءاً من تدني المستوى الصحي والغذائي، وتفشي ظواهر الفقر، والأمية والبطالة، كما يعاني الاقتصاد اليمني تشوهات هيكلية عديدة تنعكس في نقص المخصصات المالية لنظم التعليم، مقابل انخفاض قيمتها الفعلية، وفقاً لما يؤكده الدكتور أحمد علي الحاج محمد أستاذ التخطيط التربوي بكلية التربية في جامعة صنعاء.
علاقة غير سوية
ويشير الدكتور أحمد علي الحاج محمد في دراسته الحديثة إلى وجود علاقة غير سوية بين التعليم والتنمية البشرية في اليمن حيث يقول:
إن نظم التعليم تسير في اتجاهات أغلبها مضادة للتنمية البشرية، نتيجة وجود عوائق ومشكلات تتبدى في مختلف مكونات وعمليات نظم التعليم، حيث لا يزال ثلث تلاميذ التعليم الأساسي خارج هذه المرحلة، وأكثر من ثلث تلاميذ التعليم الثانوي خارج هذه المرحلة، أي إنهم محرومون من حقهم في فرص التعليم المناسبة لهم، كما أن ما يقرب من 90 بالمئة من طلاب التعليم الجامعي خارج هذا التعليم، ولم يتعد طلاب التعليم المهني والتقني 2 بالمئة من إجمالي السكان في سن هذا التعليم الواقعة بين السنة التاسعة عشرة والحادية والعشرين من العمر، ناهيك عن نوعية التعليم في كل نظم التعليم القائمة التي يمكن القول إنها في أدنى مستوى لها، يتبدى ذلك في عدة مجالات، منها؛ ارتفاع معدلات ترك الدراسة، ولاسيما في مرحلتي التعليم الأساسي، والتعليم الثانوي، وارتفاع نسب التسرب، وانخفاض معدلات الكفاية الداخلية والخارجية، كما أن أغلب خريجي نظم التعليم غير جديرين بشغل الوظائف والمهن القديمة والجديدة، بمن فيهم خريجو التعليم الجامعي، بدليل التزايد المستمر لبطالة خريجي الجامعات، وخصوصاً في التخصصات النظرية أو الإنسانية. وعلى الرغم من التصريحات الرسمية للقيادات التربوية، وما تضمنته خطط ومشاريع تطوير التعليم في اليمن من إشارات لجعل نظم التعليم مدخلاً للتنمية البشرية، وعلى الرغم من تبني خطط التنمية لمدخل التنمية البشرية لتعويض نقص الموارد الطبيعية، فإن ذلك لم يزد عن أمنيات قلما تجد طريقها للتنفيذ، وبإجراءات واضحة؛ لأن نظم التعليم مستمرة في نموها الكمي على حساب نموها النوعي، وغير مرتبطة بالحياة والعمل والإنتاج والتنمية، وغير ذلك.
التنمية البشرية المستديمة
ويعرف جيمس سبيت المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي التنمية البشرية المستديمة بأنها “تنمية لا تكتفي بتوليد النمو وحسب، بل وتوزيع عائداتها بشكل عادل، وهي تُجدد البيئة بدل تدميرها، وتمكن الناس بدل تهميشهم، وتوسع خياراتهم وفرصهم، وتؤهلهم للمشاركة في القرارات التي تؤثر في حياتهم”.
المعوقات التربوية للتنمية البشرية
وفي حديثه عن المعوقات التربوية للتنمية البشرية المستديمة في اليمن يقول الدكتور أحمد الحاج:
هنالك العديد من المعوقات والمشكلات التي تحول دون توجيه بوصلة النظام التربوي نحو التنمية البشرية في اليمن، وجعله أساساً لدفع عمليات التنمية البشرية المستديمة وتحقيقها حالياً ومستقبلاً، منها ما هو قديم ناشئ عن طبيعة تحديث التعليم في اليمن، ومسيرة تطوره، ومنها ما هو انعكاس للبنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومنها ما هو مستمد من الهياكل التنظيمية لنظم التعليم وأوضاعها المعاشة، ومنها ما هو ناشئ عن التحديات الداخلية والخارجية لنظم التعليم من أبعادها المحلية والإقليمية والدولية الحالية والمستقبلية، يمكن بلورتها وتجميع خطوطها الرئيسة في نظم التعليم بالمعوقات الآتية؛ جمود فلسفة التربية في المجتمع اليمني وبعدها عن استيعاب المتغيرات المحلية والدولية، نظم تعليمية تقليدية بمسارات متباينة وأداء شكلي، مناهج قديمة بإستراتيجيات تعليم وتعلم وتقويم بالية، فيض طلابي متصاعد على نظم التعليم مقابل مخرجات كمية مختلفة وبنوعية متدنية، مركزية إدارية مع تدني المساءلة والشفافية، تدني نوعية التعليم، غياب شبه كامل لدى نظم التعليم لتنمية المهارات والقدرات الإبداعية، تدني المستوى المهني لمختلف الفئات العاملة في نظم التعليم، توظيف النظم التعليمية في الصراع السياسي والطائفي، إتباع سياسات انتقائية متحيزة في التوظيف والأجور، الإنفاق على التعليم.
جمود فلسفة التربية
وحول جمود فلسفة التربية في المجتمع اليمني وبعدها عن استيعاب المتغيرات المحلية والدولية يقول أستاذ التخطيط التربوي:
منذ صدور قانون التربية رقم [45] لسنة 1992 الذي قدّم إطاراً فلسفياً للتربية في اليمن، فإن أغلب مواده لم تر النور، حتى الآن، كما لم تبذل جهود تذكر لتجديد فلسفة التربية في اليمن، فضلاً عن أن جانباً كبيراً من هذا الإطار الفلسفي، وما يتوافر من أفكار تربوية تضمنتها بعض الوثائق الرسمية لوزارة التربية والتعليم في اليمن، لا تعدو أن تكون أفكارا تربوية متناثرة، جمعت من وثائق رسمية عربية وأجنبية، بعيدة عن توجيه نظم التعليم في اليمن، واتخاذها دليلاً لكل أنشطتها التعليمية التربوية، كونها لم تبرز في إطار فلسفي متكامل يجسد مكونات المجتمع اليمني، ويعبر عن احتياجاته، وما يطمح إليه هو وأبناؤه، لذلك ترك الميدان التربوي في اليمن نهباً لتطبيقات الفلسفات التربوية الأجنبية الوافدة مباشرة، أو المنقولة من بلاد عربية. وبالتالي فغياب الفلسفة التربوية الواضحة في اليمن ترك أثره على محتوى المنهج الدراسي، وأهدافه، وكرس قطيعة بين نظم التعليم بمختلف أنواع ومراحله، حتى إن استراتيجيات التطوير التي وضعتها نظم التعليم مؤخراً جاءت منفصلة عن بعضها البعض، وبالتالي تباينت في المنطلقات والرؤى، وتناقضت في الأساليب والإجراءات، وتباينت في النتائج أو المخرجات. وبذلك فإن غياب فلسفة تربوية واضحة المعالم والقسمات في اليمن لنظم التعليم في اليمن يعد من أقوى المعوقات التي تواجه التنمية البشرية، لأن أي تجديد وتغيير يبدأ من الفكر، وعندما توجد فلسفة تربوية واضحة المعنى والمغزى وتأخذ طريقها إلى التطبيق، عنها ستوجه الفلسفة العمل وترشد التنفيذ، وتصبح مرجعاً لما تحقق وأنجز.
تباين نظم التعليم
ويوضح الدكتور أحمد الحاج أن نظم تعليمية تقليدية بمسارات متباينة وأداء شكلي بقوله:
ارتبطت نشأة التعليم الحديث في اليمن بالقطاع الحديث المتمثل بالتجارة والإدارة، والخدمات الحكومية والصناعات الخفيفة أو الثانوية، القائم في الحضر، فقد جاءت لدفع عمليات التنمية في الحضر، وإهمال الريف وتهميشه، بل وتسخير ما يتاح للريف من إمكانات بشرية ومادية لخدمة الحضر وتنميته وبالتالي جاء منفصلاً عن طبيعة الحياة والعمل والإنتاج في المجتمع اليمني، وقد ترتب على استمرار البنى التقليدية لنظم التعليم العديد من النتائج التي تحول دون توفر الشروط اللازمة للتنمية البشرية، ومنها: عجز نظم التعليم عن تطوير صيغ ونماذج التعليم غير النظامي، أو عن بعد، لاستيعاب السكان في التعليم، وتقديم فرص التعليم المتكافئة، أو لمواكبة احتياجات الدارسين وقدراتهم وظروفهم. عجز نظم التعليم عن توفير البرامج التعليمية التدريبية بالقدر والمستوى المناسبين لأبناء المجتمع. خضوعها أو استسلامها للنمو الخطي الكمي على حساب النمو الكيفي. أضحت مصدراً لتفشي مظاهر البطالة والفقر، وترسيخ حدة التمايزات الاجتماعية بين شرائح المجتمع ومناطقه، وبين الذكور والإناث، والصغار والكبار. بالإضافة إلى عدم قدرتها على توفير شروط التعليم مدى الحياة أو التربية المستديمة.
عبء على التنمية والتعليم
وعلى الرغم مما يموج به العالم من تجديدات وتغيرات مذهلة لنظم التعليم، حتى كادت تختفي نظم التعليم التقليدية في الكثير من بلدان العالم، فما زالت نظم التعليم في اليمن في شكلها ومحتواها القديم، حتى باتت تشكل عبئاً ثقيلاً، ليس على خطط التنمية والقطاعات الاقتصادية فحسب، وإنما على نظم التعليم نفسها، كونها أصبحت مصدراً لزيادة أعداد العاطلين عن العمل، وأعداد الفقراء، وزيادة حدة التمايزات الاجتماعية بين فئات السكان، وبين المناطق، ومنبعاً للكثير من أزمات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إن تعليماً كهذا الذي بين أيدينا في اليمن، وبأدائه الحالي لا يتناسب مع متطلبات التنمية البشرية، ولن يكون بمقدوره القيام بأعباء التنمية البشرية، وإنماء رأس المال البشري اللازم لاقتصاد المعرفة الذي أخذ يفرض على اليمن كغيره من بلدان العالم.
مناهج قديمة
وتعد المناهج الحالية برأي الدكتور الحاج مناهج قديمة بإستراتيجيات تعليم وتعلم وتقويم بالية، وعنها يقول:
تكونت مناهج تعليمية تقليدية لنظم التعليم في اليمن، ظلت في الغالب تستنسخ تارة، وتجمع مفرداتها من تجارب عربية وأجنبية تارة ثانية، وهي لذلك لم تعكس حاجات حقيقية للإنسان والمجتمع اليمني الجديدين، بل عكست في الغالب توجهات وخيارات السلطة السياسية والنظام الاجتماعي السائد. وكون نظم التعليم جاءت لخدمة القطاع الحديث، فإن محتواها التعليمي وإستراتيجيات تنفيذه واكبت حاجات القطاع الحديث في المدن، وهمشت القطاع التقليدي الذي يستوعب أغلب السكان وأوجدت تطلعات وهمية، جعل النشء مأسورين بأنماط حياتية بعيدة المنال فكراً وتطبيقاً.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتطوير المناهج التعليمية لكل نظم التعليم في اليمن، إلا أنها لم تزد عن تجديدات شكلية تمت في مجالات معينة دون مجالات عدة أخرى مرتبطة بها، دون أن تغير من الواقع شيئاً؛ إذ ما زالت المناهج التعليمية في مختلف نظم التعليم العام والمهني والتقني والجامعي تقليدية في بنائها، ممزقة في مكوناتها، بالية في محتواها الدراسي، وبالية في أساليب ووسائل التعليم والتعلم، وشكلية في إجراءات التنفيذ، وقاصرة في أساليب وأدوات القياس والتقويم، كما أن النمطية المفرطة في تنظيمها وإخراجها، جعلها بعيدة عن البيئات الطبيعية والعمل والإنتاج والتنمية، أو تمثل روح العصر، إن مناهج تعليمية بذلك الشكل والمحتوى والتنفيذ لا تصلح أن تكون أساساً للتنمية البشرية في اليمن، وتنمية رأس المال المعرفي، كون أغلبها مقطوعة الصلة بالعمل والإنتاج والتنمية، وقليلة الارتباط بحاجات الدارسين وبالحياة، وبالبيئات المحلية.
مخرجات كمية بلا نوعية
ويشير أستاذ التخطيط التربوي إلى المشكلة الأخرى للتعليم اليمني والمتمثلة بالفيض الطلابي المتصاعد فيقول: يعاني التعليم من فيض طلابي متصاعد لا يلبي احتياجات التنمية ولا يأخذ حقه من المعرفة وتنمية القدرات والمهارات، فنتج عن ذلك تخرج أعداد هائلة من تخصصات لا يحتاجها أسواق العمل والتنمية، مما يمثل هدر بشري ومادي كبير، واختلالات حادة في أسواق العمل بين الزيادة والنقص، كما أن تدني نوعية مخرجات نظم التعليم، تضيق من فرص حصولهم على فرص عمل، وما ينجم عن ذلك من عوائق أمام خطط التنمية، علاوة على تأجيج أزمة سوق العمل. وما تبذل من جهود لتطوير نظم التعليم، تتضاءل ويخفت أثرها أمام الفيض الطلابي المتعاظم، لتحيل مشكلات نظم التعليم القائمة ما يتحقق إلى أثر بعد عين، أما ما تبقى من مشاريع تطويرية فرغم الجهود المتواصلة، ودعم الجهات المانحة الفني منها والمادي، فلم تتحقق النتائج المرجوة كما خطط لها، لذلك سيظل الإقبال الطلابي المتصاعد الناجم عن الزيادة السكانية، وفي ظل بقاء نظم التعليم التقليدية من أقوى العوائق أمام التنمية البشرية حالياً ومستقبلاً، في وقت باتت فيه معارف البشرية وقدراتهم الإبداعية العامل الحاسم في التنمية المستديمة.
المركزية المفرطة
الدكتور الحاج يقول: يستمد التنظيم الإداري والأكاديمي والفني لنظم التعليم في اليمن مركزيته المفرطة من التنظيم الإداري لأجهزة الدولة، بثقافة ممتدة من أنظمة الحكم والمجتمع السابقة التي تقوم على تكريس المركزية وربط مقاليد السلطة بيد القيادات العليا، ثم لشاغلي الوظائف حتى المستويات الدنيا، ويبدو أن التنظيم الإداري والأكاديمي والفني لمستويات العمل في أجهزة التعليم متضخم للغاية، وتضخماً كهذا في ظل المركزية الإدارية التقليدية، وفي ظل مشكلات نظم التعليم المستفحلة، يؤدي إلى تداخل التخصصات، وتفشي مظاهر البيروقراطية، وكثرة الأعباء الإدارية الروتينية، وضعف تحمل المسؤولية، وغياب الشفافية، إلى ما هنالك من أمور تعمل على تفشي مظاهر العلل والأمراض الإدارية في كل مستويات العمل الإداري والأكاديمي لنظم التعليم، كما أن العبثية في معايير شغل المناصب تحول دون تراكم الخبرات والتحسين المستمر لأداء المهام الإدارية والتعليمية من جهة، وسيادة أنماط الإدارة الدكتاتورية والفوضوية من جهة أخرى. وبذلك فإن التنظيم الإداري والأكاديمي لنظم التعليم في اليمن لا يشكل الأرضية المطلوبة للتنمية البشرية المستديمة، لأن هذه التنمية بحاجة ماسة ليس إلى نظم تعليمية إدارية وأكاديمية حديثة، مرنة وفاعلة، بأساليب ووسائل جديدة فحسب، وإنما أيضاً إلى كفايات إدارية وتعليمية مختلفة بمهارات متعددة تستشعر مخاطر المستقبل، وتستعد لمواجهته بفكر جديد وقدرات خلاقة.
تدني نوعية التعليم
إن ناتج العوامل السابقة يتمثل بتدني نوعية التعليم ذاته وهو ما يشخصه أستاذ التخطيط التربوي بقوله: تتضافر المعوقات السابقة لنظم التعليم عموماً والتنمية البشرية خصوصاً وتعمل بصورة وأخرى مع البنية الحالية لإعداد وتأهيل النشء والشباب على تدني نوعية التعليم في كل نظم التعليم باليمن بلا استثناء، يتجلى ذلك في حشو عقول الدارسين بالكثير من المعلومات والمعارف ، الكثير منها غير مفهوم، وغير مناسب لقدرات الدارسين واحتياجاتهم، وغير مرتبط بالحياة والعمل والتنمية، وبالتالي تُنسى بعد تخرجهم من هذه المرحلة أو من التعليم، كما يتجلى في ضعف قدرة نظم التعليم على تنمية المهارات الأساسية للعمل والعيش في عصر سريع التغير، والاندماج في أنشطة المجتمع، وإنماء القدرات والاتجاهات الجديدة للتفاعل مع قضايا المجتمع ومتغيراته المتسارعة، كما تظهر النوعية المتدنية للتعليم في صورة عديدة منها؛ تزايد معدلات الرسوب والتسرب، والغش في الاختبارات، وبيع الشهادات التعليمية، وتدني مواصفات خريجي نظم التعليم لأداء الوظائف والمهن، وغير ذلك، وهذه النوعية المتدنية للتعليم تعد من أبلغ المعوقات تأثيراً على التنمية البشرية، كون هذه النوعية هي أساس تكوين رأس المال البشري اللازم للتنمية المستدامة، بوصفها العامل الرئيس للعملية الإنتاجية، والطاقة المحركة للتنمية، وعلى مستوى نوعية رأس المال البشري، تتوقف فعالية المدخلات الأخرى للتنمية البشرية.
غياب المهارات والإبداع
وبما أن لدينا تدنيا فادحا في نوعية التعليم، فإننا سنجد بالمقابل غياباً شبه كامل لدى نظم التعليم لتنمية المهارات والقدرات الإبداعية، وهو ما يبرزه الدكتور الحاج بالقول: لم تعد نظم التعليم ومؤسساتها قادرة على الاهتمام بتحسين نوعية التعليم، ولا التركيز على إنماء ميول الدارسين واستعداداتهم، وتنمية القدرات والمهارات الإبداعية، وما يدل على ذلك أن غالبية مؤسسات نظم التعليم لم تعد قادرة ليس على القيام بالأنشطة التعليمية المصاحبة للمقررات الدراسية من تجارب معملية وغير معملية، واستخدام الوسائل التعليمية التقليدية فحسب، بل والقيام بالأنشطة الثقافية والرياضية والفنية والترفيهية.
تدني المستوى المهني
إن تدني نوعية التعليم، ليست نتيجة خارجية بقدر ما هي نتيجة منطقية لتدني المستوى المهني لمختلف الفئات العاملة في نظم التعليم، وهي المشكلة التي يشرحها أستاذ التخطيط التربوي بقوله:
تعاني مختلف المستويات الإدارية والتعليمية في كل نظم التعليم باليمن من تدني ملحوظ في المستوى المهني والعلمي والثقافي لمنتسبيها أو العاملين بها؛ لأسباب وعوامل عديدة، لعل أبرزها؛ أن معظم القيادات التربوية والوظائف التعليمية الأخرى إما غير تربوية، أو متدنية التأهيل، فمثلاًُ 80 بالمئة من مدراء مدارس التعليم العام يحملون مؤهلات ما دون التعليم الأساسي، و65 بالمئة من معلمي التعليم العام هم من خريجي معاهد المعلمين والمعلمات بنظامي الخمس والثلاث سنوات، بالإضافة إلى أن معظم أساتذة الجامعات والمعاهد الفنية غير تربويين وحديثي التخرج، وتنعدم دورات التأهيل التربوي لكل مستويات التنظيم الإداري والأكاديمي والفني، في ظل غياب المعايير العلمية الموضوعية والحديثة لاختيار وتعيين مختلف المستويات الإدارية والأكاديمية والفنية، أو تقويم الأداء، واعتمادها إلى جانب الجدارة أساساً للترقي. ولذلك فإن المستوى المهني لمختلف الفئات العاملة في نظم التعليم في اليمن لا توفر الأسس المناسبة للتنمية البشرية المستديمة، لأن مستويات التوجيه والتخطيط والتنفيذ في نظم التعليم ما زالت تقليدية، مقابل ضيق أو غياب كثير من البرامج التدريبية والتأهيلية، حتى أن الغالبية العظمى من تلك المستويات جمدت في مواقعها لسنوات طويلة، ولم تعد قادرة على متابعة ما تموج به الإدارة الحديثة من أساليب ومفهومات جديدة.
الصراع السياسي والطائفي
ويشير الدكتور الحاج إلى مخاطر توظيف النظم التعليمية في الصراع السياسي والطائفي بقوله: دأبت الحكومات المتعاقبة منذ تحديث التعليم في اليمن على توظيف التعليم لتثبيت دعائم النظام الجمهوري ونشر المبادئ الجديدة التي ينادي بها، وبناء الدولة الحديثة، ومد سلطتها على كل ربوع الوطن، لتجد الكيانات الاجتماعية المختلفة، والكيانات السياسية الناشئة من نشر التعليم الحديث، أداة لتقوية مراكزها، وتعزيز حضورها النشط من خلال تقلد رموزها المتعلمة المناصب في مختلف أجهزة الدولة المدنية والعسكرية، بحجة التقاسم، لإثبات كل طرف حقه في إدارة دفة البلاد، لتطبيق عملي لمبادئ النظام الجمهوري، وكسب الأعضاء والموالين. وهو ما سمح بتولي شؤون التعليم قيادات وموظفين غير مؤهلين أو غير مهنيين، ونشر التعليم بنوعية متدنية، مما كان له الأثر الأكبر في إفراغ التعليم من محتواه الحقيقي، وتهميش دوره في تسريع التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المرغوبة. وفي سياق التوظيف السياسي والاجتماعي للتعليم، فهم التوجه نحو تفعيل الحكم المحلي، وخصوصاً في أرياف اليمن، على أن كل منطقة أو مديرية يجب أن تكتفي بما لديها أو يتوافر لديها من كوادر تعليمية وإشرافية، حتى تثبت أنها قادرة على إدارة نفسها بنفسها، مما أدى إلى تجميد أو الاستغناء عن الكثير من الخبرات والكفاءات المتميزة، وتحويلها إلى قسم الفائض، وإرجاعها إلى مناطقها.
الإنفاق على التعليم
ويمثل الإنفاق على التعليم عائقاً آخر في طريق قيام التعليم بدوره في التنمية البشرية المستديمة ويشرح أستاذ التخطيط التربوي ذلك بقوله:
من الطبيعي أن تؤدي الزيادة السكانية العالية، وما ينجم عنها من توسيع نظم التعليم أفقياً ورأسياً، مقابل ضعف بنية الاقتصاد وشحة الموارد الطبيعية إلى قصور كبير في الإنفاق العام على التعليم، وتراجع قيمته الفعلية، إضافة إلى سوء توزيعها على مختلف أوجه الاستخدامات، وكذا غياب الشراكة المجتمعية الحقيقية لدعم التعليم مادياً ومجتمعياً. وعلى الرغم من تضاعف ميزانية نظم التعليم في السنين الأخيرة فقط، إلا أنها لم تكن موازية لنمو التعليم لتلبية حاجات النمو الخطي لنظم التعليم، وما ترتب على ذلك من تدني نوعية التعليم، مقابل ارتفاع تكلفة نظم التعليم ليس نتيجة لارتفاع الهدر المادي والبشري فحسب، وإنما أيضاً لتدني استفادة المجتمع من مخرجاتها وارتفاع دخل خريجي نظم التعليم.
العوائق المجتمعية
وبرغم ضخامة العوائق التربوية السابقة، فإن العوائق المجتمعية تمثل الحاضن الأساسي للعوائق التربوية، وفي هذا السياق يقول الدكتور أحمد الحاج: بالإضافة إلى العوائق التربوية السالف ذكرها التي تقف حجر عثرة أمام التنمية البشرية المستديمة في اليمن، فإن هناك العديد من العوائق المجتمعية الخطيرة المباشرة وغير المباشرة التي تكون سبباً في نشأة تلك العوائق التربوية، على اعتبار أن التربية عملية أو أداة مجتمعية تتشكل، وتقوم بأدوارها طبقاً لمدخلاتها المجتمعية الصريحة والضمنية، مهما وجدت مدخلات علمية تسيرها، بمعنى أن معوقاتها هي في الأساس نتيجة، وليست سبباً، منها ما مصدرها نظم المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية...إلخ، ومنها ما يرجع إلى نهج التنمية في اليمن، وخططها المطبقة، ومنها ما ينشأ نتيجة علاقة اليمن بالدول الأخرى، وما تحكمها من اتفاقيات، ومنها ما يعود إلى تدخل الدول الكبرى، والدول الإقليمية، والمنظمات الدولية ظاهراً ومضمراً ليس في شؤون المجتمع فحسب، وإنما أيضاً في توجيه نظم التعليم لخدمة مصالحها وأهدافها الخفية، فضلاً عن التحديات التي تواجه نظم التعليم الناشئة مما يمر به العالم من تغيرات متسارعة، نتيجة للثورة المعرفية والتقنية التي تشهدها مجتمعات القرن الحادي والعشرين، صحيح أن المعوقات التربوية والمجتمعية لها تأثير كبير على التنمية البشرية المستدامة في اليمن، وفي مقدمتها؛ الفقر، الأمية، البطالة، تلوث البيئة، الحرية، المساواة، وحقوق الإنسان، إلا أن إنتاج المعرفة وتوظيفها، وتكوين رأس المال البشري، وأعباء التقدم التقني في أساليب الإنتاج والمعلومات والاتصالات من أقوى العوائق والتحديات المعقدة، سواء أمام التربية أو التربية البشرية أو التنمية الاقتصادية.
حلول مقترحة
ويرى الدكتور أحمد الحاج أستاذ التخطيط التربوي بجامعة صنعاء أن الوقت لم يفت بعد، وأن بالإمكان تنفيذ العديد من الإجراءات الكفيلة بتمكين التربية من أداء دورها في استدامة التنمية، ويلخصها بقوله: لقيام التربية بدورها في استدامة التنمية البشرية والاقتصادية لابد من صياغة منطلقات فكرية بمعايير وأساليب جديدة للتربية المستديمة، تختلف باختلاف البيئات والثقافات، ومرحلة التنمية، وتكفل توسيع فرص التعليم إلى أقصى مدى، والمشاركة المجتمعية في عملية التعليم والتعلم، وإيجاد نظم تعليمية نظامية وغير نظامية مرنة للغاية، بصيغ ونماذج مفتوحة، تتيح تشكل بيئات تربوية تشمل مختلف الأطراف التي يتفاعل معها أفراد المجتمع، وبأساليب ووسائل تعليم وتعلم تعتمد على جهد الشخص، وما يطمح إليه أن يكون، بالإضافة إلى ضرورة أن تبنى المناهج على مستجدات التنمية واحتياجات الأفراد، وأنشطة المجتمع، وعمليات الإنتاج، وتحصين التنمية من العولمة، وحركة عناصر الإنتاج، والقيم والسلوك، والاهتمام بالتنبؤ والتنظير لمستقبل مرغوب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.