بانعقاد اجتماعات مجلس الأمن الدولي في اليمن اليوم الأحد تكون هذه المؤسسة الأممية قد اخترقت نمطية الأداء في متابعتها مختلف القضايا والنزاعات، وأرست تقليداً جديداً في إدارة الأزمات بالذهاب إلى منبعها وبحث مجمل تداعياتها لاتخاذ القرارات المناسبة إزاءها. ومع أننا نتفهّم أن هذا الأمر ليس الأساس في التئام هذه الاجتماعات الأممية بصنعاء؛ إلا أن الإشارة إليها من الضرورة بمكان، ولعل أهمية هذا الحدث تكمن في أمور عديدة متداخلة وعلى جانب كبير من الأهمية، نتمنّى أن تتوقف عندها الأطراف اليمنية - قبل غيرها من القوى الإقليمية والدولية – بمسؤولية كبيرة، حيث ينبغي لهذه الأطراف جميعها التقاط هذه الرسالة الأممية بحيث تعمل بجد ومثابرة على إنجاز مهام التسوية السياسية والمشاركة في مجمل الفعاليات التي تُخرج اليمن من أسر هذه الأزمة بكل تداعياتها وانعكاساتها على مستوياتها الداخلية والخارجية. ومع الاعتراف بتعقيدات المشهد السياسي اليمني؛ فإن ثمة حرصاً إقليمياً ودولياً على تفكيك رموز وتعقيدات هذا المشهد، وقد اتضح لنا ذلك جلياً في المبادرة الخليجية للتسوية والمدعومة أممياً بقراري مجلس الأمن فضلاً عن الاصطفاف لدعم ومساندة اليمن اقتصادياً ولوجيستياً من خلال انعقاد مؤتمرات أصدقاء اليمن في كل من لندن والرياض ونيويورك والتي أسفرت عن حشد مالي بلغ قرابة ثمانية مليارات دولار، وكلها خطوات تؤكد هذا المنحى الأممي الداعم لليمن. وبطبيعة الحال يجب ألا نغفل ونحن نسترسل في الحديث عن هذا التعاطف والتآزر الإقليمي والدولي مسألة على جانب كبير من الأهمية وهي تلك المرتبطة بالموقع الجيوستراتيجي لليمن والذي يجعل منه نقطة اهتمام تحرص مختلف القوى الإقليمة والدولية على إبقائه موحداً مستقراً وآمناً وفي منأى عن تدخُّلات بعض الأطراف التي تخطّط لتجزئة اليمن وجعله ميداناً لتصفية الحسابات وورقة للتسويات وبهدف خلخلة التوازن في المنطقة؛ خاصة أن اليمن يشرف على البحرين العربي والأحمر، ويتحكّم في خليج عدن ومضيق باب المندب اللذين تمر عبرهما قرابة 40 % من الإمدادات النفطية العالمية، فضلاً عن كون اليمن جزءاً مهماً من منظومة دول الجزيرة والخليج. إن التئام مجلس الأمن في اليمن يعبّر - كذلك - عن الإجماع الأممي على أهمية خيارات التسوية السياسية، وضرورة مشاركة كافة الأطراف في الحوار الجاد والبنّاء والمسؤول وعلى نحو يضمن الأمن والاستقرار داخل هذا البلد وبما لا يعرّضه لمخاطر التشظّي والفُرقة والاقتتال، كما أن هذه الاجتماعات تبعث رسالة واضحة وقوية لا لبس فيها لتأييد ومباركة خطوات الرئيس عبدربه منصور هادي وهو يمضي في قيادة هذه المرحلة الصعبة والدقيقة من تاريخ اليمن المعاصر، وتؤكد أيضاً صدقية التوجُّه الدولي لدعم اليمن ووحدته وعدم تركه ساحة لتلك القوى التي تتدخّل في شؤونه ومحاولة التأثير على دوره الريادي وموقعه الجيوستراتيجي وثقله السكاني في المنطقة. ولمجمل تلك الاعتبارات علينا جميعاً أن نلتقط هذه الرسالة باعتبارها ضمانة أممية لكل اليمنيين تمنحهم الثقة والاقتدار والتفاؤل، وأن نعمل أيضاً على ترجمتها وبلورتها دون تفريط أو تخاذل أو تردُّد؛ ذلك أن الأمر تجاه هؤلاء المعطلين للتسوية السياسية لن يقتصر على مجرد النصح والتوجيه؛ وإنما ستطالهم عقوبات دولية رادعة فردية وجماعية، حيث تمثّل الخطوات التي اتخذها مجلس الأمن الدولي منذ نشوء الأزمة اليمنية صدقية هذا التوجُّه الداعم لليمن ووحدته، بل تمثّل أيضاً كروتاً حمراء تُشهر في وجه أولئك الذين استمرأوا اللعب ضد إرادة الإجماع الوطني؛ بل استمرأوا كذلك اللعب على إثارة الأحقاد والضغائن المذهبية والطائفية بين شعوب ودول المنطقة ظناً منهم أن كل التجارب متشابهة، وأن ما يحدث من احتراب داخل سوريا – مثلاً - يمكن حدوثه في اليمن، وهم بذلك مخطئون لسببين وجيهين يكمن الأول في أن اليمنيين يتحلّون بالحكمة، ويكمن ثانياً في هذا التوافق الدولي غير المسبوق لإنجاز مشروع التسوية. ولذلك فإن المؤشرات جميعها تدل على أن اليمنيين باتوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق تطلُّعاتهم في العيش برخاء واستقرار ونماء. رابط المقال على الفيس بوك