للحديث عن المعروف والخير والإحسان وكل مدلولات التراحم بين البشر روعة خاصة لدي، والأمر يصبح أروع حين أجد من بين الناس من يشاطرني هذا الإحسان بالعطاء في أرقى صوره وأسمى طريقه وفق سنة اليمين التي لا تعرف الشمال ما منحت وكأنهما لم تكونا على قطبي جسد واحد. ولكم شعرت بقيمة نعمة الكتابة مؤخراً حين دفعني حزني وقلة حيلتي وانعدام احتيالي للكتابة عن امرأة وعشرة أطفال يكاد يفتك بهم الجوع والبرد في وطن أراد الله أن يكون فيه من الحكمة والشهامة ما أراد، فما انحنت فيه الهمم إلا وقد دنت عن مواجهتها القمم. كنت قد كتبتها معذرة إلى الله وإعلاناً للاستسلام بعد أن طرقت أبواب الجمعيات الخيرية بحثاً عن مؤونة معيشية كافية لهؤلاء الجياع ففاجأني الروتين الإداري لتلك الجمعيات بما لم أكن أتوقع وإذا بالمفاضلة الإنسانية تنطبق حتى على التعامل مع أقدار الله وليست في الترشيح لنيل الدرجات الوظيفية فقط. إلى أن فاجأني ذلك الاتصال من مجموعة شركات هائل سعيد ومن مكتب الحاج عبدالجبار هائل تحديداً وبتوجيهات صريحة لدراسة الحالة وتقديم ما يلزم وكان هذا الإناء الإنساني الناضح بالعطاء يأبى إلا أن يطعم منه كل من عانى من ألم الجوع وذل الفاقة وبرد المشاعر الإنسانية ممن كنا نتوقع منهم أن يكونوا الدفء والغطاء والستر لمثل هؤلاء المعوزين من أهل البلاد وأصحاب الشقاء، وفي حقيقة الأمر وهذه كلمة أقولها لوجه الله لا أريد بها جزاءً ولا شكوراً في الحقيقة أن هذه المجموعة تحظى بطاقم وظيفي لا تختلف ملامحه عن ملامح أرباب العمل ولا تقل همته عن همتهم حيث كان سعيهم لإنقاذ الحالة حثيثاً ووفق رؤية إنساني واضحة وتوجه خيري مفعم بالمسئولية بالإضافة إلى توفر آلية عرض وتطويق للحالة لم أعهدها في جمعيات خيرية كانت ردة الفعل لديهم باردة وساذجة وبعيدة تماماً عن كل معاني الإنسانية ولو في أبسط صورها. تلك الوحدة الإدارية وذلك التلاحم الهيكلي يلفت النظر إلى النظام الذي تتبعه المجموعة والذي يبدو أنه يعتمد اعتماداً كبيراً على قاعدة معلوماتية واسعة عن حجم ونوع الاحتياج الذي يفتقر إليه المجتمع بالإضافة إلى تنوع وسائل المساعدة واعتمادها بدرجة رئيسة على تحقيق الاكتفاء حتى بدا لي منذ الوهلة الأولى أن هذه المجموعة الرائعة تقوم على أساس مهني يعتمد على قاعدة “امنحني سنارة وانتظرني على ساحل البحر” كونها تعطي مهنة وتعلم حرفة وتدعم مهارة ولا تكتفي فقط بتقديم رغيف الخبز الجاف كما لمست من بعض الجمعيات الخيرية التي لا تخفي خلف عناوينها الإنسانية العريضة أهدافاً حيوانية بغيضة تقف السياسة فيها موقف الرأس من الجسد والباقي لا يعلمه إلا الله. وفي واقع الأمر أنني ومن خلال أنشطتي الخيرية مع أكثر من جهة ولصالح الفقراء الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لم ألمس تشابهاً بين الرعاة والرعية كما لمست في هذه المجموعة لدرجة أن يتحرك أكثر من موظف وخلسة عن أقرانه ورفقاء دربه بالسؤال عن تلك المرأة وأطفالها العشرة في سباق إلى الجنة على بساط العطاء الذي يرجو الثواب ويخاف العقاب، ولقد جعلني هذا الموقف ولأول مرة أشعر بنعمة الكتابة وأمتن لهيئة التحرير الذين يمنحون للكتاب مساحة إنسانية مفتوحة على وجه مطبوعاتهم ويرون في الصحافة باباً من أبواب البذل، ويؤمنون بأن أقلامنا رايات مجد ومفرداتنا رسائل حب لا هدف لها إلا بث مشاعر التراحم بين البشر، وشعرت أيضاً بأن الوطن لا زال بخير طالما وأن فيه من مثل هؤلاء الكبار الذين عرفتهم تعز أهلاً للكرم من أبناء السعيد الذين يتوسم فيهم الصغار قبل الكبار كل خير وولاء ونقاء نية وصفاء سريرة تجاه هذا الوطن الجميل البديع الذي جعلني موقفهم الخيّر “بتشديد الياء” أحبه أكثر من أي وقت مضى، فشكراً لهذا الرجل الذي أعاد البسمة إلى إحدى عشرة شفة تعيش في قبر من قبور الدنيا وشكراً لرئيس جمهوريتنا الورقية الأستاذ سمير رشاد اليوسفي الذي يمنحنا باستمرار فرصة البحث عن هوية اجتماعية كادت أن تغيب، ولعل هذا التزاوج بين المال والثقافة هو ما نبحث عنه في هذه الفترة الحرجة من عمر الوطن. رابط المقال على الفيس بوك