(المرشدي) محمد مرشد ناجي ، الفنان اليمني العربي الذي ترحّل صوته العذب في جبال ووديان وسهول اليمن جنوباً وشمالاً شرقاً وغرباً.. ثم ترحّل لأراضٍ وسماوات العرب استحقاق فنان فذ ذي موهبة حلاقة مبدعة انطلقت مع منتصف الخمسينيات في المدينة الحاضنة للفن والثقافة والأدب ومجتمعها المدني(عدن): (كنت هاوياً قال، وكنت بين علمين من أبرز أدباء اليمن يوم ذاك سعيد جرادة ومحمد عبده غانم هاوياً مبتدئاً أعزف وأردد من أغاني أحمد عبيد القعطبي والمسلمي والعنتري وبامدهف.. وغيرهم من الرواد الأوائل) غير أن العلمين الشاعرين ألحاّ عليّ بالتلحين لا أدري ربما اكتشفا في عزفي وصوتي مايؤهلني، وكتب لي جرادة قصيدة (هي وقفة) وقمت بتلحينها ،فكانت فاتحة ونجاحها في بعض الأوساط الفنية العدنية بمثابة الحافز لأكون أنا نفسي ليس المسترخي على أغاني الآخرين وانطلقت) في حديث آخر ورغم ماوصل إليه الفنان محمد من البروز والمكانة قال: كنت سأتوقف عن الفن عندما غزت الأفكار والتيارات الفكرية المختلفة عدن وتصاعدت مقاومة الاستعمار الانجليزي والعمل الفدائي لشعور خالجني أيامها بأن العمل الصحيح لوطني هو الكفاح وليس الغناء، لكن استمرار محمد سعد عبدالله، وأحمد بن أحمد قاسم في الفن والغناء كمنافسين، وأنا كمنافس أيضاً لهما.. فقد استبعدت فكرة التوقف، ورأيت في بعض الأناشيد الوطنية المنددة بالاستعمار وشد أزر المناضلين المنقذ الذي يجعلني مشاركاً ومساهماً في الكفاح.. هذه بضع من أحاديث محمد وذكرياته مع الفن والكفاح ، لكن يظلُّ لنا رأينا نحن في صوت محمد وألحانه وأغانيه العاطفية التي تردد صداها في الأعماق والوجدان والقلوب على امتداد اليمن.. كان لها أعظم الأثر والكفاح في دروس الحب ووشائجه وتهذيب النفوس ورقرقة أقسى القلوب والأفئدة. هيجت عاصر شنبه فاستمع إليها وتغنى بها (مش مصدق أنك انته انته جنبي إنته ياللي في خيالي بعت لك عمري وحبي.. إنته ياللي انته تأخذ من حياتي كل دقيقة.. مش مصدق إنك إنته بين أحضاني حقيقة.. بل وأجمل من حقيقة) من كلمات الفنان الراحل الشاعر لطفي جعفر أمان.. تجلجل في سماء الحديدة، وأستمع إليها بتكرار لايملُّ كلما دخلت منزلي صديقيّ أحمد وعلي عبيد مع زوجاتهما في شرود وانثيان. كانا يحبان بعضهما ثم تحقق لهما اللقاء الحلم كان المرشدي محمد فناناً يمنياً بمعنى الكلمة.. فلم تأسره الأغنية العدنية أو اللحجية ليظل أسيرهما، لكنه بحسه الفني الرفيع ومشاعره اليمنية.. انتقل للأغنية الصنعانية وإيقاعها مطوراً وحافراً بصماته العصرية عليها مع مجايليه في الفن يومها والمنافسة: الفنان محمد سعد عبدالله وأحمد بن أحمد قاسم وعطروش ومحمد عبده زيدي وغيرهم جنوباً، وأيوب طارش وعلي الآنسي، وعلي السمة والسنيدار والحارثي شمالاً.. في الحديدة ترعرع صبانا الفني وشبابنا الفنان أحمد فتحي وأنا وعايش حقاري، ومحمد طبيشي رحمهما الله على إيقاع وألحان ونغمات المرشدي والمرحوم/محمد سعد عبدالله والمرحوم/أحمد قاسم فكنا نردد من الأغاني ما يجود به علينا إبداعهم في الأغنية العدنية والصنعانية معاً في جلنات الزيوت، وأتناك (القاز) قبل أن نتعرف على الأعواد.. ذلك برغم لمعان نجوم صنعاء بعد الثورة الآنسي والسمة والسنيدار وأيوب طارش في تجلياته الفنية الشعبية التعزية، لم نكن يومها نعرف تفسيراً لميولنا الطاغي مع المرشدي ومجايليه محمد سعد وأحمد بن أحمد قاسم بوجه أخصّ، لكني أفسِّر ذلك القرب اليوم.. أنه ربما المزاج الساحلي الموحَّدْ في الايقاع والنغم وحتى الكلمة الشعبية الأقرب إلينا(شابوك أنا ومرفاق بكره.. أرض مجبل مانبا مساحل) (على امسيري على امسيري)، و(يحيى عمر قال ياطرفي).. وغيرها من الأغاني والايقاعات عند المرشدي ومحمد سعد وأحمد قاسم. انتقلت اهتماماتي من العود والعزف إلى الأدب والفن.. القصة القصيرة والرواية والمسرح والكتابة النقدية وغيرها من الكتابات الاجتماعية الأخرى والسياسية.. إلا أن أثر محمد مرشد الفنان ظل معي ويلاحقني أينما اتجهت، في أوائل الثمانينيات أو منتصفها تقريباً كنت أستمع إلى الفنان محمد وهو يردد من المذياع في عدن من ردهة فندق الصخرة في التواهي أغنية(إلى متى).. إلى متى أحتار في حبك كذا.. قل لي الصراحة.. فكتبت قصة (أرملتان) نشرت في كل من الثقافة الجديدة في عدنواليمن الجديد في صنعاء حلماً وأملاً في وحدة اليمن التي ظلت على مدى سنين طويلة أحد أهم المبادئ لمختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمثقفين اليمنيين بمختلف أفكارهم ومشاربهم(إلى متى) رددت عدداً من مقاطع الكلمات في القصة الرمزية انسياقاً مع الأغنية (إلى متى) تحتمل العاطفية والرمزية السياسية. فالمرشدي محمد لم يكن فناناً وملحناً ومطرباً فذاً في الغناء فحسب ، ولكنه مثقف وسياسي ومفكرً من الطراز الرفيع .. فله عدد من الكتب والكتابات والحكايات في مجال التراث الشعري والموشح ومراجع أصولهما. أوجعنا كثيراً رحيل الفنان محمد مرشد من دنيانا ودنيا الخلق والإبداع الفني الرفيع، وبفراقه سيترك فراغاً كبيراً في الساحة الفنية اليمنية ليس من السهل ملؤها في ظل الظروف الصعبة إن لم نقل السيئة التي تمر بها البلاد من العنف والاقتتال والاغتيالات حالياً وفقدان البوصلة الواضحة لبلاد مستقر وآمن ومجتمع مدني كما نردد في أحلامنا وأمانينا.. إذ سنظل مع بعض أغاني(النعيق) على حد تعبير الزميل مصطفى راجح في مقاله عن المرشدي بالأولى.. وذلك حقيقي ماظلت الأغنية اليمنية حتى الآن أسيرة إيقاع الموسيقى العسكرية المحفزة للنهوض أو الحرب سيان، وماظلّت معظم قنواتنا الفضائية تسمي كل من (يطبرطخ) على كراسيها الفنان بلا مقدمات وبلا إبداع وفي أحايين الفنان الكبير ليركن أنه أضحى الفنان بلاجهد وكفى ..ثمة حقيقة لابد من الإشارة إليها وهي أن ما كان بمستطاع فناننا الراحل/محمد مرشد ناجي ولا مجايليه من الفنانين المبدعين: محمد سعد وأحمد بن أحمد قاسم وزيدي وعطروش وغيرهم أن تكون أصواتهم ملء أسماعنا ونغماتهم ملء قلوبنا ولم يساعدهم على ذلك النشأة في مجتمع مدني ومدينة مستقرة آمنة حاضنة للإبداع والفن، وعلى رسل الزميل الأديب الشاعر عباس الديلمي في الجمهورية: (يذهب الزعماء والامبراطوريات والسياسيون دون أن يذكرهم أحد ويبقى الفنان المبدع خالداً ..وافترق معه قليلاً.. الزعماء والسياسيون الذين لايتركون لشعوبهم من بعدهم أكثر من الكوارث والويلات في حين يظل الفنان والأديب خالداً في قلوب ووجدانات الملايين من أبناء شعبه ومحبيه، ومحمد مرشد الفنان الأثير واحد من هؤلاء الأفذاذ الخالدين .. يرحم الله المرشدي محمد ويدخله في أوسع جناته. رابط المقال على الفيس بوك