وأجبرت بلدان العالم الثالثية المخزون البشري المتضخم والمتفجر والمزدحم بالمشاكل الاجتماعية والنزاعات الجغرافية وشتى أشكال وأنواع التناقضات والتناحرات العنيفة والمخزون الأهم للمواد الخام الأولية، للبقاء قسراً ضمن دائرة التبعية والعبودية للدول العظمى المحتكر الوحيد للثروة العالمية وفي الصدارة إنتاج المعادن الثمينة والقمح والمواد الغذائية الأساسية والمحتكر الوحيد لمصانع الأسلحة بكل أنواعها، الأمر الذي أحدث اختلالاً جوهرياً في الحياة الانسانية إذ انقسم العالم عمداً إلى عالمين، عالم يمتلك الثروة والقوة وإنتاج السلع الغذائية الضرورية للاستهلاك البشري والتحكم بأسعارها في البورصات، وعالم الأكثرية يمتلك الأرض الواسعة المنتجة لكل أصناف المواد الخام والمواد الغذائية من الناحية الشكلية ولكن من الناحية الجوهرية الملموسة هو عالم فقير وفقير جداً يعيش على أقل من دولارين أو دولار في اليوم وقادة عبارة عن تعساء فاسدين متسولين على أبواب أسياد العالم وعلى أبواب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وصناديق دول الريع النفطي التي تضخ الأموال القذرة إلى بلدان الفقر المدقع بعد الاستئذان المذل من أقوى إمبراطورية اقتصادية – عسكرية في العالم، الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهذه الأموال الملوثة تسهم بصورة مباشرة في تدمير عمران الحضارة، في إبادة البشر في كثير من البلدان: أفغانستان، باكستان، العراق، ليبيا، السودان، مالي وغيرها من البلدان التي للإمبرالية العالمية الجديدة مصلحة في تهديم مستقبلها المدني. وعلى درب الحرب العالمية الباردة وقواعدها الدولية المتفق عليها التي لم تكن تعني البتة إنتاج الأسلحة من أجل الدفاع الطويل والهجوم السريع في حالة نشوب الحرب العالمية النووية – الحرارية، والتي لم تنشب بعد، بل عنت البسط المباشر على الأسواق التقليدية والأسواق المفتوحة مجدداً وهو مايقود إلى تركز الثروة بصورة منهجية في خزائن الدول عبر محاصصة عادلة وغير عادلة دولية مع الاتفاق بعدم السماح للنتوءات العسكرية لدول ناشئة الصناعة باجتياز الخطوط الحمراء الموضوعة ضمن متون الاتفاقات الدولية والمفاوضات السرية بين أهل الحل والعقد على النطاق العالمي. وفي مناخ الحرب العالمية الباردة انتعشت أكبر وأوسع عملية سباق التسلح في العالم وفي التاريخ وارتبطت بها عملية جاسوسية واسعة التشبيك والتعقيد، وتأسيساً على هذا المناخ تمكن المحوران العالميان من ترسيم الحدود الجيو – سياسية والاقتصادية بينهما وتفاهما مع بعضهما البعض على النفوذ وتحرك الأساطيل الحربية المزودة بالغواصات النووية وقوات الردع التي قال عنها الخبراء السوفيات في حينه بأنها قادرة على إبادة العالم أكثر من خمس مرات بثوانٍ معدودة. وترسيم الحدود والنفوذ بين القطبين تجلى دولياً في مبدأ حق استخدام (الفيتو) أو (حق النقض) في أعلى هيئة للأمم المتحدة (مجلس الأمن) واضبارات مجلس الأمن الدولي مزدحمة بحالات استخدام (الفيتو) عند اتخاذ القرارات الدولية حول النزاعات الحدودية والتوترات العسكرية، ولكن هذا المناخ والحالات لم تمنع الحروب المرعبة الممولة من المحورين، السوفيتي والأمريكي، الحرب الكورية، الحرب الفيتنامية وحروب الاستقلال في جنوب شرق آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وهي التي استقطبت تدفقات أسلحة من الأطراف العالمية سواء عبر نظام المساعدات أو القروض الميسرة كالقروض من دولة الاتحاد السوفيتي إلى الهند والصين ومصر والعراق وسوريا والجزائر مقابل الصفقات العسكرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية باهظة الثمن إلى دول الجزيرة والخليج وباكستان وغيرها من الدول في الشرق الأدنى. ومع نهاية القرن ظهرت قوى جديدة في حقل إنتاج وبيع الأسلحة وتراجعت دول كانت لها اليد العليا في هذه التجارة.. (يتبع) رابط المقال على الفيس بوك