عملت انظمة ما قبل الزلزال الكبير او ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي على اخفاء مشاكل مجتمعاتها بأساليب ووسائل متعددة لكنها اشتركت جميعها في انتهاج السياسة الامنية بإفراط ضد الاصوات المناهضة وحركات الاحتجاج التي بدأت تتشكل في الشارع المكبوت منذ اواسط العشرية الاولى للألفية الجديدة(*) اما اكثر الانظمة تشدقا بالديمقراطية انفقت ببذخ على الاعلام والتسويق لتجميلها ،وتعظيم انجازاتها في عيون الآخرين وعلى رأس هذه المنجزات قدرتها على ادارة مجتمعات منهكة اقتصاديا ومحتفنة طائفيا بكثير من الحكمة والصبر، كما كان يدعي نظام حسني مبارك في مصر وقبله نظام صدام حسين في العراق (مع فارق التركيبتين طبعا) او منجز ادارة مجتمعات معرضة للتجزئة والتشظي كما ادعى نظاما علي عبد الله صالح و معمر القذافي. التراكمات المهولة للمشاكل التي كانت تبدو غير ذات قيمة او لا تستحق الالتفات اليها من وجهة نظر هذه الانظمة او كما عملت على تسويقها وعرضها منذ البداية هي التي تضع الآن حكومات ما بعد الزلزال في مواقف ضعيفة لمجابهتها والتعاطي معها بأساليب مختلفة عما اتبعته مسبوقاتها من الحكومات، وهي التي لا تستطيع ايضا (أي الحكومات ) العودة بالأمور الى لحظة ما قبل الانفجار لأن مزاج الشارع وتخلصه من جدران الخوف التي تضخمت بداخله لسنوات، والاهم من ذلك انهيار صورة المقدس للنظام واجهزته القامعة التي تغولت بذهنه ونفسيته لعقود طويلة، تجعل الاقدام على خطوة مثل هذه انتحارا سياسيا فاجعا. مقاربة الصورة التي يتشكل منها المشهد العام في اليمن تفضي الى القول: ان الانفلات الامني والتعثرات الاقتصادية المتتابعة وتفشي المجاعة وتعرض وسائل معيش المجتمع (من كهرباء وطاقة) للتدمير الى جانب تعرض الانسان في البر والبحر ودول الاغتراب الى الانتهاكات القاسية، سمة لازمت حضور الحكومة الهشة والسلطة السياسية الأكثر هشاشة في حياة الناس وبدأ الحكم على ادائها من خلال هذه المعطيات بل واعتبرها الشارع المحبط منتجة لهذه الاوضاع، وهو محق في ذلك خصوصا وانه تيقن تماما ان اكثر من 90% من تركيبة نظام الحكم والادارة الحالية محسوبة على الفترة الماضية وثقافتها، وان جزءاً كبيراً من مراكز القوى التي كانت رافعة للحكم وبؤرة فساده هي الآن في عمق النظام ومتحكمة في قراراته، والسبب في ذلك يعود الى كون هذه القوى حين استشعرت الخطر الداهم الذي تربص بمصالحها جراء خروج المجتمع الى الشارع في اكبر عملية احتجاج في تاريخه ضدها مطلع 2011م جعلها تعيد ترتيب وضعها داخل اللحظة الجديدة ، ولم تكتف بذلك بل خولت نفسها الحديث باسم قوى الاحتجاج التي خرجت اصلا لإزاحتها. ولهذا لم تُنجز لحظة التغيير التي كانت في متناول يد القوى الحية في المجتمع وفرطت به لصالح هذه القوى التي استطاعت جر الجميع الى تسوية سياسية ، لم تشرعن حضورها في المشهد فقط بل قوته. لتتحول مع مرور الوقت الى معيق حقيقي لأية عملية تحول ننشدها. **** القرارات العسكرية الاخيرة التي اصدرها مساء الاربعاء الماضي رئيس الجمهورية القائد الاعلى للقوات المسلحة وادت الى ازاحة بعض الرموز العسكرية المحسوبة على مراكز القوى المتصارعة عن مواقعها ذات التأثير القوي في مسار العملية السياسية، خطوة مهمة على طريق استعادة ثقة الشارع بقيادته التي يعول عليها الكثير في احداث عملية التغيير وان هذه القرارات بحاجة الى اسناد ودعم شعبي قوي حتى لا يتم افراغها من طابعها (الثوري) ومن ذات القوى التي سرقت بالأمس ثورته، وحتى لا نبتلع طُعم الحلم المنقوص ولن نقول طُعم التغيير المستحيل. (*) يمكن اعتبار نشاط الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) الاحتجاجي ضد نظام حسني مبارك منذ اواخر العام 2004 ولاحقا حركة الاحتجاج السلمي لأبناء المحافظات الجنوبية في اليمن ابتداء من مطلع العام 2007 اختزالا لهذه اللحظة التاريخية التي القت بحجر التغيير في ماء المجتمع الآسن. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك