ماذا باستطاعة اكثر المتفائلين الذين أتحفونا طوال العام 2013 الذي سينقضي بعد أيام بكتاباتهم وتنظيراتهم التي تقول بان الأمور تسير نحو لحظة تاريخية سيتجاوز فيها اليمنيون كل إحباطهم ،وان البلاد تسير نحو لحظة ولادة جديدة بدون منغصات قوى الحكم السابقة، أقول ماذا باستطاعتهم أن يقولوا بعد كل الذي جرى وسيجري وهل حان وقت وضع أيديهم على قلوبهم على مصير البلاد بذات الكيفية التي وضع فيها(غير المتفائلين) أيديهم على مدى عامين كاملين؟! أثبتت الأيام أن التطمينات الإعلامية التي يسوقها الإعلام بشأن الخروج الكبير من عنق الزجاجة، ليست اكثر من وهم يتفنن مروجو التسويق في غرزه كمخدر موضعي لبسطاء الناس، الباحثين عن قشة أمل تباعد بينهم وبين الجحيم. فلم يتجرأ مثل هؤلاء المتفائلين ويقولوا أن البلاد مخطوفة في أيدي نفس القوى التي خرج الشارع ذات يوم من أيام فبراير العام 2011 لاسقاطها، الصوت المتعقلن في تيار التسوية هو الذي بدأ يحس أن التسوية تحولت إلى لحظة اختلال واضحة أثرت في إنتاج المسار الطبيعي لبناء الدولة بل عملت هذه التسوية على تكريس حضور القوى السابقة كمتحكم فعلي بمصائر الكل والمؤثرة بقوة بلعبة التحول، غير أن هذا الصوت لم يستطع الفكاك من تكبيلات الشراكة المختلة. فالقوى المشيخية التي قدمت نفسها كوريث وحيد للزيدية الدينية الحاكمة قبل اكثر من نصف قرن لم تزل قوة ضاربة داخل لحظة صنع القرار. وغير بعيدة عن قوى التحالف العسكري الديني التي أفرزتها التسوية الملكية الجمهورية مطلع سبعينيات القرن الماضي التي لم تزل تبلي بلاء حسناً على جبهة العمالة السافرة لبعض دول الإقليم التي تعمل بكل طاقاتها وإمكانياتها المهولة لبقاء الوضع العام في درك التخلف والموت الأبدي. تركيبة البنيتين هاتين هما اللتان تأسس عليهما تحالف صيف أربعة وتسعين، مضافاً إليه القوى التي استبعدها منطق المنتصر في يناير 1986 في الجنوب، واستيعاب العائدين من أفغانستان كضباط وجنود في جهازي الأمن والجيش في ذروة الاستقطاب للحرب الملعونة تلك هذا التحالف لم يزل يراهن على استمرار الدولة بوظيفتها التقليدية، حتى وهو يسوق لأقلمة الجغرافيا شمالاً وجنوباً ،لأن المصالح التي راكمها على مدى يقترب من ربع القرن تجعله يرحل جملة تعارضاته البنيوية إلى مساحات مقبلة في الوقت. بحساب بسيط تعمل هذه القوى على إعادة ترتيب أوراقها في مساحات غير كاملة الاختراق من اطراف غير بعيدة من لعبة التوازنات وحتى التحالفات شديدة التماسك التي تجعل من التصارعات الظاهرية بين الأطراف لا تقترب من المصالح التي يتمترس خلفها الآخر. ففي احداث2011لم يسجل أي مساس اقتصادي بمصالح الأطراف المتحاربة في صنعاء وبقيت صنعاء المنقسمة شمالاً وجنوباً وفية للود القائم بين الطرفين الذين اختاروا التحارب بقوة ومصالح غيرهم. بعد عامين من التسوية السياسية التي أنتجتها الدول الراعية للمبادرة، لم تتشكل الكتلة التاريخية التي ستقود عملية التغيير التي تمناها الشارع بل تهلهلت بفعل تحالفاتها السياسية مع اطراف فاعلة من مكون(فيد) صيف أربعة وتسعين الذي يزداد سعاراً لإعادة تطويع الدولة ووراثتها كبنية ووظيفة. بعد عامين لم يحدث انتقال للسلطة والذي حدث أن وظيفة عامة، يتم الانقضاض عليها بنهم الجائع، لان انتقال السلطة بمفهومها التغييري ليس من مصلحة مراكز القوى التقليدية التي هي في عمق صناعة القرار، وتلعب الدور المزدوج (كسلطة ومعارضة)،وان حضر التغيير في خطابها فهو يعني تمكين أعضائها من الوظيفة العامة والمواقع القيادية ،كما هو حاصل في محافظة تعز إذ نقل أحد أطراف التسوية من الأحزاب الكبيرة كامل معركته إليها تحت شعار التغيير للمواقع وهو في الأساس يبحث عن تمكين عناصره من المواقع المهمة التي يحددها بعناية. وعلى المستوى المركزي تجاهد مكونات اطراف الأزمة الخوض في معركة كسر العظم بوصول البارود إلى محيط مكاتب الحكم في رسائل متبادلة قوية، اقلها أن الأقبية التي ربت فيها الأطراف دموييها من الجهاديين (سواء في الأمن السياسي أو القومي) قادرة على تسويق قواعدها الصلبة بذرائع دينية ووطنية، والمستهدف من هذا كله الرئيس الذي بلا قاعدة حسب طرح الزميل منصور هائل الذي رأى أن:(الرئيس عبدربه ليس له ذراع في تنظيم القاعدة يناوش به أو يناور ويلعب ويقاتل ويستثمر فيه بصفقات وفديات ،ويبتز الداخل والخارج من خلاله كغيره من أركان نظام الحكم المتصدع في صنعاء ولذلك كان ومازال مستهدفاً بمحاولات الاغتيال والتصفية المنسوبة إلى تنظيم القاعدة) قاعدة الرئيس لم تزل تلك الشرعية التي منحها إياه صندوق فبراير 2012 بوصفه رئيساً توافقياً تكبله اذرع القوة التي يمتلكها خصومه. وكان باستطاعته اللجوء إلى هذه الشرعية في اللحظات الحاسمة(على نحو حادثة الخامس من ديسمبر في مجمع وزارة الدفاع )غير أنه آثر مثل كل مرة الاحتكام لمنطق التسوية التي لم تزل ملاذاً يمكن الهروب إليه وترحيل مشاكل البلاد إلى مربعات الانفجارات القادمة، التي تكمن لنا في كل منعطف. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك