تأثيرات تعز في المسألة الوطنية لم تقف في حدود الحضور الثقافي والاقتصادي ، بل امتدت الى البنية الديموغرافية للسكان شمالا وجنوبا. عديد اشياء جعلت تعز تحضر بقوة في هذا الموقع منها: انتشار التعليم في انحاء متعددة من المحافظة منذ وقت مبكر، اتاح للكثير من العائلات الدفع بأبنائها الى المدارس ومُستوعبات التعليم الاخرى في المدن والارياف. قٌرب تعز من مدينة عدن (البوابة الاكثر انفتاحاً طيلة عقود من القرن الماضي على الآخر والتحديث) سهل وصول ابناء تعز اليها والاستقرار بها او الانتقال عبر بحرها الى العالم الاوسع الامر الذي ترتب عليه خلق لحظة معرفية مختلفة عما الف هؤلاء في قراهم، وهي المعرفة التي ستجعلهم لاحقا يصطفون مع المشاريع التغييرية والتحديث(التحاق ابناء تعز بكثافة في صفوف الثورة والمقاومة شمالا وجنوباً في الستينيات يؤكد ذلك). الكثافة السكانية وارتفاع نسبة المهاريين والمهنيين في اوساط السكان غير المتعلمين او محدودي التعليم ادى الى انتشار عشرات الالوف منهم في الداخل اليمني والخارج لاكتساب قوتهم واقتفاء سبل معيشهم ،بوسائل المكابدة والمثابرة ، دون الالتجاء للوسائل العنفية للحصول عليها. لهذه الاسباب وغيرها كانت تعز(كجغرافيا وسكان) ولم تزل تقفز الى واجهة الاحداث مع اي خضة كبرى في البلاد بفعل تأثيراتها هذه، الامر الذي يزعج ويقلق مراكز القوى التقليدية المحافظة ،التي عمدت طيلة عقود ولم تزل حتى الآن تعمل على جر تعز الى مربعات اللاستقرار، فاستقرارها يقوض ويعطل من حضور وتأثير مراكز التكسب من الفوضى ومشاريع الانقسام. في ستينيات القرن الماضي مثلا حاولت هذه القوى الصاق تهم الطائفية والمناطقية بالقوى التعزية الشابة الحاضرة في المشهدين العسكري والسياسي التي دافعت عن الجمهورية و صنعاء ابان حصار السبعين يوما ولم تكن احداث اغسطس عام 1968التصفوية الا تعبيرا عن النزوع المقيت للقوى التقليدية ضد القوى الجديدة التي قال عنها الاستاذ حاتم ابو حاتم في حوار صحافي في اغسطس 2012 : (حرب أغسطس من أقذر الحروب التي عرفتها اليمن، كانت بين القوى التقليدية وبين قوى الحداثة وإن كانت قد أخذت طابعا طائفيا أو مناطقيا، قوى الحداثة بقيادة الشهيد عبد الرقيب عبد الوهاب نعمان هي التي واجهت الثورة المضادة من الملكيين في الوقت الذي هرب فيه الضباط والمسئولون الكبار، فانتصر هؤلاء الشباب على القوى التقليدية من فلول الملكيين، وبعد النصر جاء هؤلاء التقليديون باحثين عن مناصبهم وقد فروا من العاصمة التي أوشكت على السقوط بأيدي الملكيين لولا هؤلاء الشباب المستنيرين، فحصل الصراع، فاستغلت الصراعات الحزبية بين البعثيين والحركيين، وكان لها تداعيات سيئة منها أن أقصي أبناء تعزواب من الكليات العسكرية). القوى ذاتها بتحالفاتها السياسية والقبلية والجهوية تجر تعز الآن الى مربع العنف من خلال عسكرة المدينة واريافها وجرها الى منزلق بعيد عن تركيبتها المدنية والثقافية . وفي محافظات ساخنة في الجنوب والشرق والغرب وحتى الشمال تقوم بالتعبئة المناطقية ، وزرع الكراهية ضد ابناء تعز(من عمال وموظفين وحرفيين وحتى رجال اعمال) ورسمهم بأذهان البسطاء والاميين بانهم السبب الرئيس في نكبات مناطقهم وسلب حقوقهم، التي مارستها ولم تزل قوى التحريض نفسها. تعلم قوى المحافظة والتقليد بتحالفاتها (العسكرتا دينية) ان استقرار تعز يعني مدنية حضورها في الحياة العامة، والحياة السياسية في البلاد كلها وهو ما يشكل تقاطعا حادا مع مصالحها التي تقوم على مشاريع التدمير والاعاقة. وتعلم جيدا ايضا ان ما يُمارس ضد تعز واهلها هو نوع من عقاب متعدد على انحيازها للتغيير، وحضورها القوي في المعادلة الوطنية شمالاً وجنوباً. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك