شدني يراعي أن أتأمل ملياً في هذا الجيل الواعد، وأكتب عن نهضته المرجوّة التي يجب أن تتوافر فيه ويعمل المسؤولون على تلبيتها؛ وذلك بنهضة حقيقية دون مواربة أو تنظير أو عدم إحساس بالمسؤولية من باب «عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم».. إن الجيل الواعد هو ذلك الجيل المتمثل بمرحلتين من مراحل العمر؛ مرحلة الطفولة ومرحلة الشباب؛ فتبدأ نهضته الحقيقية منذ دخول الطفل المدرسة حتى يصل إلى مرحلة الشباب مروراً بدراسته الأساسية ثم الثانوية ثم الجامعية.. فكيف تتحقق هذه النهضة؟ وماذا يريد الجيل الواعد؟ إن الجيل الواعد بحاجة إلى نهضات وليس نهضة واحدة كي يستقيم، ولا يتسع المقام لذكرها جميعاً، بل سنختصر أهم النهضات التي تعد البوابة الرئيسة لباقي النهضات وتتمحور هذه النهضات حول أربع نهضات رئيسة ومهمة وهي: النهضة التعليمية؛ فبالعلم ينهض الجيل الواعد، ولكن ليس العلم التقليدي الممل الذي نراه في مدارسنا وجامعاتنا، بل لابد من تعليم حقيقي يجعل الطفل محباً لمدرسته منذ الصغر، فلا يتسرب من التعليم إذا اشتد عوده، ولابد من تعليم مصحوب بالوسائل والأساليب والأنشطة التي تقضي على الملل، ولابد من تعليم يهتم بالجنسين الأولاد والبنات، فيتم المتابعة والتقييم والتقويم، وبناء مدارس للجنسين وخاصة في الأرياف؛ لأن أكثر البنات في الأرياف يتسربن من التعليم في مراحلهن الدراسية الأولى؛ بسبب عدم توافر مدارس خاصة للبنات، ولابد من تغيير سياسات وأنماط التدريس القديمة والمملة التي تجعل الطالب في حالة حرب دائمة وتوجس دائم وخاصة في المدارس، وذلك نتيجة قصر الحصة الدراسية التي تكون ما بين «40» دقيقة إلى «45» دقيقة أو أقل من ذلك، الأمر الذي يجعل الوقت غير كافٍ من أجل إعطاء جرعات كافية للمتعلمين، ويغيب فيه دور المتابعة الكاملة ومعرفة جميع مستويات المتعلمين، إضافة إلى غياب الدور الإشرافي والتوجيهي ومعرفة الخلل بسبب ضيق الوقت. ولابد أيضاً من توافر المعامل الدراسية في المدارس والجامعات؛ لأن أكثر المدارس وخاصة في الأرياف تبكي على تسميتها مدارس؛ لأنها أصبحت أشبه بالمنازل المتدنية في خدماتها إن لم تكن «عُششاً» تحمي الطلاب من حر الشمس في الصيف وبرد الشتاء، ولا توجد بارقة أمل من أن تستعيد نشاطها وتأتي المعامل لتزيد من حيويتها، وإن وجدت معامل في بعض المدارس فإنها تفتقد إلى المواد التعليمية وخاصة ما يخص مواد العلوم بجميع فروعها.. ولابد من محو أمية المتعلمين بإدخال الحاسوب إلى جميع المدارس وعدّها مادة دراسية يجب تعلمها منذ الصغر، ولابد من وجود أجهزة الحاسوب بشكل رسمي إلى المدارس، وتوفير مصادر الطاقة لتشغيلها، وتوفير معلمين متخصصين، فكم رأينا معلمين كثر لا يجيدون استخدام الحاسوب، ناهيك عن المتعلمين. كما يجب أن يعاد النظر في المناهج الدراسية وتغييرها بما يناسب الوقت الحاضر والمكان، ويجب توفيرها بشكل سلس بداية كل عام دراسي بدلاً من تأخيرها أو انعدامها كما رأينا. ولا تخفى علينا لغة العصر «اللغة الإنجليزية» بإدخالها كمادة دراسية رسمية للصفوف الدنيا من المرحلة الأساسية من الصف الأول حتى السادس أساسي إذا أردنا نهضة حقيقية ومجاراة للدول المتقدمة. فإذا تعلم الأطفال أو الشباب تعلماً حقيقياً منذ الصغر حتى وصولهم إلى مراحلهم الجامعية فلاشك أننا سنرى نهضة تعليمية بحق وحقيقة. وتأتي نهضة مرافقة للتعليم وهي النهضة الثقافية، ومن أجل أن يكون الجيل واعداً لابد أن تكون عنده نهضة ثقافية، ولا تكون تلك النهضة موجودة إلا إذا عملنا دوراً ثقافية ومكتبات ثقافية وأعطينا الثقافة حقها دون زيادة أو نقصان؛ فكم رأينا من مدارس تخلو من أي كتب ثقافية، وكم رأينا جامعات تفتقد للكتب وخاصة النادرة منها، وكم رأينا مدارس لا تشجع الثقافة والإبداع، وكم رأينا مسؤولين لا يعيرون للثقافة أية أهمية. فكيف نريد جيلاً واعداً ونحن نحارب فكره ورأيه وعلمه وثقافته ولم ننمّ موهبته ونصقل تفكيره ونشجع إبداعاته واختراعاته؟ ولا يخفى علينا أن نهضتي التعليم والثقافة هما بوابة الولوج الآمن لدولة النظام والقانون ومعرفة مداخل ومخارج السياسة ومعرفة الدين الإسلامي وفضائله وأخلاقه حق المعرفة لنجد بعدها نهضة سياسية ودينية وأخلاقية تميز الصواب من الخطأ وتعرف الفضائل وتبتعد عن الرذائل كي يحيا جيل واعد بالمستقبل والأمل المشرق.. وللحديث بقية.. رابط المقال على الفيس بوك