لازلنا نسير على وتيرة المحاباة حتى بعد أن أصبح الرهان هو الوطن، هذا ما نلمسه في تعيينات وتوجهات جديدة لا تعلن الحكومة عن المعايير التي تضعها لتحقيق ذلك أو التي ترتكز عليها للإحجام عن تنفيذه، فيبدو أن الشعب يبحث عن ليلاه التي لا تعرفها الحكومة وتبحث الحكومة عن ليلى أخرى بمواصفات أكثر غموضاً وشراسة، نعاني من وطأة الانتماء الحزبي الذي طغى على قضية الانتماء الوطني والمشكلة أنه أصبح ينحو منحى آخر حين جعل من الثورة حزباً فكل من تشهد له الثورة بالصلاح له في سياسة جبر الخواطر مقام ومن كان يدعو إلى الله على بينة دون أن يرتاد ساحة أو ينضم لمسيرة فليس له محل من الإعراب في هذه السياسة التي نصبت من كان مجروراً ورفعت من كان ساكناً، وحررت من عاش أسير الحصر عمراً وحبست من كان جُل ما يسعى إليه أن يكون حراً.. قلبت موازين الرفض والقبول حتى أصبح هذا الجيل حائراً في قراءة التاريخ المعاصر، عاجزاً عن تفسير أحداثه الشائكة، الكبار يبقون كباراً حتى لو غمرتهم أطنان الرفض ونضبت بين أيديهم أسباب القبول، والصغار يبقون صغاراً حتى لو قدموا أرواحهم ثمناً للوصول إلى القمة، فمن يأبه لأمر شعب يدب على الأرض دبيب النمل صيفاً وشتاءً، ربيعاً وخريفاً حتى يحقق الكفاف الذي لا يسأل الله عنه إلا ولاة الأمر، وهل يجوع شعب يحظى بحاكم عادل؟! هل تعرى امرأة في ظل حاكم يتقاطر جبينه عفة؟! هل يموت الأطفال جوعاً وفاقة وبرداً في حقبة من حقب التاريخ متخمة بمظاهر الإنتاج المادي شكلاً ومضموناً؟! أي بشر نحن يا ترى؟! وفي أي زمن نعيش؟! التداول القبلي لمناصب الحكومة جعل من الصعب أن تبقى الكفاءة وحدها مقوماً للترشح والاختيار بالإضافة إلى أن حاجة المجتمع للترويض والتهيئة المدنية باتت جامدة بدون وجود آلية فعلية لتحقيقها وانحصار النموذج المدني في شكليات إدارية ليس لها أي تأثير على المسار الهيكلي الذي ينبغي أن يستند إلى أسس علمية، أخلاقية، اجتماعية، ودينية أيضاً فلا خير في بشر يرتقون بعلم دون دين ولا خير في آخرين ارتقوا بخلق دون علم، إن ما يحدث في مجتمعنا اليوم من خير تشتيت للقوى البشرية والتغاضي عن قدراتها في تحقيق الارتقاء الاجتماعي ومحاولة تسريب الثروة البشرية عبر افتعال الأزمات الاقتصادية يدل دلالة واضحة على حجم الإفلاس السياسي الذي تعانيه حكومتنا وتتستر عليه بتصدير أزماتها إلى الدول ذات الاستقراء المنطقي في أسوأ صوره لتهميش دور المواطن في صناعة القرار الوطني واوضع طريقه للحصول على رعاية مانحة لا تلبث أن تتبدد بمجرد ضخها إلى خزينة مفتوحة على أفواه الكبار وعشائر الكبار وأولاد الكبار....، أما هذا الشعب الذي يقتات الهم ويسقى النكد فقد أصبح ولاة الأمر فيه رعاة شاة لكنهم لم يتطاولوا في البنيان..! أصبحت الحكومة بكل أجهزتها “ أم العروس” فالمحاباة واضحة والمجاملة أضحت على حساب الشعب وإرباب العقول فيه وكأن هؤلاء اشتروا الوطن وليس أمامنا إلا أن نرحل من وطن لم يعد ملكاً لنا .. سئمنا العدو خلف قوافل السياسة، مللنا الجبن أمام قضية تقرير المصير، غزا الشيب رؤوسنا ونحن نلهث خلف المبررات فبقينا بين لعل وعسى، لكن الأمر أسوأ مما أن نتصور إلا أن تأتي رحمة الله فتغسل القلوب وتطمر بؤر الفتنة وتجعل لهذا الشعب مسئولين يقومون على أمره وفق عقيدة صادقة ونية صافية، هي كذلك بإذن الله، أما هذه المظلة الدولية التي لها أكثر مما عليها فليس لها في الأمر من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب..!