لا ظاهرة تعبر عن الحقيقة الوجودية المقرونة بالغيب كالنص ، والنص هنا قد يكون مكتوباً أو مسموعاً أو مرئياً ، والنص في كل الأحوال يخرج من ذات المصدر بصفاء كالنبع ، ثم يسافر بعيداً في تضاريس الحياة ليحمل معه كامل الشوائب المقرونة بتعدد تلك المسارات . في أديان الشرائع السماوية توافق تعريفي على أن الكلمة هي نبع البدايات وتداعيات المعاني ، وعند المتصوفة في تلك الأديان أن الصورة سابقة للكلام ، وليس في ذلك أدنى تناقض بين الصورة والكلمة ، فالحق خلق الإنسان أولاً ، ثم علمه البيان تالياً ، فكان النطق دالة الهيئة المتكاملة لمن خلقه الله من ماء وطين ، ثم نفخ فيه من روحه . قال المعري: والذي حارت البرية فيه حيوان مستحدث من جماد وعندي أن الصورة سبقت الكلام ، فنطق الإنسان بعد أن تمت صورته على هيئة الكمال التي منحه الله إياها، ومن هذا المنطلق سنجد أن الصورة والكلمة صنوان ، غير أن تجلياتهما متنوعة ، فالحرف ترجمان لصوت صادر عن الإنسان، والصوت ما كان له أن يصدر من شكل آدمي ميت، بل من ذلك الشكل الذي انتقل إلى معارج الحياة ، فتنوعت الأصوات وتعددت الأبعاد ، وتشاكلت التعابير، سياحة في دروب المتاهات ، وتواترت درجات البوح والإخفاء، والظهور والعماء، فجعلت السامع حائراً في سمعه، والرائي فاقداً لنظره، والمختار منصاعاً لجبره، والعاقل شقياً بعقله ، والجاهل فرحاً بجهله ، فسبحان من خلق الخلائق بالتمام والكمال ، وأكرمهم بفراديس الجنان، فاختاروا التمرغ في معارج الوجود، منذ أن قضم آدم التفاحة، وقتل قابيل أخاه هابيل، فسرت في الأكوان حقيقة الشقاء، ومعاني الفناء، فكانت الصورة والكلمة دالتهما، فأصبح غالبية الأشقياء أتباعاً لكل ناعق ، وتوارى العلم والعلماء، ورأينا بعين اليقين ما يجري في بلدان العرب الغاربة من هرج ومرج، وأصبح كلامنا من كلامنا، وليس من كلامنا ، وسحنتنا ناسوتية مفارقة للصورة الأصلية . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك