لقد تعودنا في هذه البلاد أن تمر علينا الأشياء الجميلة مسرعة وتختفي كالأحلام ..أخاف على تعز من الحسد .. لأول مرة تنتابني مخاوف حقيقية من “العين “أشعر بالحاجة إلى تعليق “شنابل” عند مداخل المدينة لدرء مخاطر العين. نحتاج لدعم ابن علوان كي يتمكن المحافظ من تحقيق وعوده بجعل تعز محافظة نموذجية). هكذا كان يشعر مدرس اللغة العربية في ثانوية تعز الكبرى قبل أن يكمل المحافظ شوقي هائل فترة المائة يوم الأولى من ولايته. لخص مدرس اللغة العربية حينها مطالبه من المحافظ بنقطتين أساسيتين وقال: ننتظر من ابن هايل أن يمارس مسؤوليته “كمحافظ “. أن يتبنى قضايا واحتياجات المحافظة أمام السلطة المركزية، ويعمل على إقناعها بتحمل مسؤولياتها كاملة إن وجد قصوراً مركزياً هذا أولاً. ثانياً: عليه أن يبدأ بتحقيق وعوده من خلال الإدارة الجيدة والاستغلال الأمثل للموارد المحلية المتاحة، حتى إذا تخلى عن قيادة المحافظة، يكون خليفته مجبراً على مواصلة نفس النهج وأن لا نسمع منه “بن هائل معه فلوس أنا ممعيش”. لقد كان مدرس اللغة العربية محقاً في هواجسه وتوقعاته، فالمعارك المستمرة التي يفتعلها البعض في مواجهة المحافظ لم تمكنه من البدء في تنفيذ وعوده الكبيرة فحسب، بل أعاقت حتى أعمال تنظيف الشوارع في المدينة. ومع ذلك، يرى مدرس اللغة العربية أن شوقي هائل نجح بامتياز. ولما سألته أن يشرح لي هذا اللغز بوضوح بعيداً عن العين والحسد وكرامة بن علوان أجاب: لقد نجح المحافظ في إبقاء جذوة الثورة الشبابية متقدة، بعد أن تحولت ساحة الحرية إلى مجرد مصلى واختزلت فعالياتها بخطبة الجمعة، ولست مبالغا إذا قلت لك إن جزءاً كبيراً من أهداف الثورة الشبابية ألقيت على عاتق المحافظ وحده. مارس شوقي هائل مهامه كمحافظ وليس “كافل أيتام” كما كان يعتقد البعض، أو سفيرا للعاصمة في تعز كما هو الحال بالمحافظين طوال العقود الماضية، وهو يرفض بإصرار أن تكون المحافظة التي انطلقت منها شرارة الثورة تابعة لمراكز النفوذ من القوى التقليدية خارج المحافظة والتي تحاول تقاسمها كغنيمة حرب. يعترف صاحبي، فيقول: لم يتمكن شوقي هائل من تحقيق إنجازات ملموسة على أرض الواقع، ولكنه تمكن من تشخيص الداء ووضع يده على الجرح الذي كان الكثيرون يجهلون أسبابه وهي سياسية في معظمها ..كما استطاع شوقي هائل أن يعيد الاعتبار “لموقع المحافظ ودوره” فتعززت لدينا الثقة بقدرة المحافظ أي محافظ على فعل الكثير لتطوير محافظته إذا توافرت له الظروف المواتية لذلك. إصرار المحافظ على ممارسة صلاحياته في اختيار مدراء المكاتب العامة وفقا لمعايير الكفاءة وإعمالا لقانون السلطة المحلية، ورفضه مبدأ المحاصصة السياسية في الوظيفة العامة جعل الأحزاب السياسية وخصومه المدججين بالشرعية الثورية في مأزق حرج أمام الرأي العام الذي بات باستطاعته الفرز بين من ينادون إلى تحقيق الدولة المدنية الحديثة فعلاً، ومن يسعون إلى تقاسم ميراث النظام السابق وترسيخ سياساته. أمام هذه الرؤى والتحليلات الموضوعية ل مدرس اللغة العربية كنت مرغما على الاعتراف بوعيه السياسي وقلت له: أنت فعلا أستاذ.. فرد بتواضع وذكاء: “تشتي الصدق! الأستاذ الحقيقي هو المحافظ شوقي هايل، فقد قدم لنا خلال الأشهر الماضية دروسا واضحة في معنى المحافظ، وحاجتنا إلى السلطة المحلية، عرفنا أيضاً أن الفساد المالي والإداري هما جناحان للفساد السياسي والمحاصصة السياسية. وأضاف: لقد نجح شوقي هائل بامتياز، وسواء استمر محافظا أو لاً، فقد وضع خليفته في مأزق، فإما أن يواصل نفس الطريق ليكون محافظاً، أو يقبل بدور السفير “لمشائخ السياسة والقبيلة” في تعز، وهذا ما لن يوافق عليه أبناء المحافظة، ولن يوافق عليه الرئيس عبد ربه منصور هادي. [email protected]