دولة المواطنة المتساوية تعتبر أهم هدف يجمع عليه ويتفق حوله كل أبناء اليمن في طول وعرض البلاد مهما كان شكل الدولة اليمنية ونظامها السياسي أكان وحدوياً او اتحادياً. وأهم الضمانات لتحقيق دولة المواطنة المتساوية هي قيام الدولة ونظامها السياسي على أساس الحكم الرشيد. والحكم الرشيد أساسه الإدارة المركزية واللامركزية العلمية المتطورة , التي لا يتجرأ على شغل أي موقع قيادي فيها بدءاً من موقع الحكومة مروراً بالوزراء والوكلاء ورؤساء المصالح والمدراء العموم إلى أصغر رئيس قسم في أي مكتب أو فرع لأية وزارة في كل المحافظات , إلا إذا توفرت فيه الكفاءة والمؤهلات العلمية والإدارية أي بعكس الوضع في الإدارة الفاسدة والتي يتربع عليها كل من هب ودب لا فرق في ذلك بين أمي وجاهل أو مثقف يحمل المؤهل الجامعي أو الماجستير والدكتوراه. وقضية الإدارة لا يمكن إعطاؤها حقها من الطرح والنقاش والتحليل في مقال صحافي أو في عدة مقالات ,و لا في ندوات أو ورش عمل محدودة أو مؤتمرات عامة وإنما تحتاج إلى بحوث علمية متعددة ومتنوعة ومتكاملة و إلى جهود ودراسات متواصلة وجادة. ولا يمكن التخلص من الفساد الإداري بمجرد تعيين القيادات الإدارية المؤهلة و الكفؤة , وإنما يقتضي الحال قبل ذلك إعادة النظر في الوضع الإداري نفسه وتطوير الإدارة نفسها من خلال إعادة هيكلة الوزارات والمصالح والمؤسسات وجميع أجهزة الدولة وسلطاتها المركزية واللامركزية الأمنية منها والمدنية . ولتوضيح الصورة دعونا نأخذ على سبيل المثال الإدارة العامة لتنظيم المرور في جميع المحافظات عموماً وقضية الدراجات النارية كمشكلة قائمة لا يختلف حولها اثنان بوجه خاص من الناحية الإدارية . هناك قرار بضرورة ترسيم الدراجات النارية ومنحها الأرقام و التصاريح المرورية كأية وسائل نقل ومواصلات في البلاد . وهناك الكثير من أصحاب الدراجات النارية استجابوا لهذا القرار وتوجهوا إلى الجمارك لدفع الرسوم ثم إلى المرور للترقيم والحصول على الرخص المرورية. ومثل هؤلاء الموطنين بالطبع تأكدوا إلى أي حد وصل الفساد الإداري في المرور وفي بقية الجهات التي ارتبطت بها معاملة الحصول على الأرقام والرخص بصورة عملية. فعلى المعامل أن يثبت لدى الجمارك من خلال عاقل الحارة وقسم الشرطة بأنه مالك الدراجة فلا يكتفي ببطاقته الشخصية ولا بوثيقة شرائه المجيرة بتوقيع وختم تاجر الدراجات ،ويستغرق ذلك أكثر من ثلاثة أيام أما الطريقة التي تتم المعاملة فيها داخل الجمارك فلا يمكن شرحها أو وصفها إلا بأنها متخلفة وفاسدة. بعد ذلك يكون التوجه إلى إدارة المرور التى بدورها تحيلك إلى أحد محلات التصوير والطباعة المجاورة لإدارة المرور لشراء مجموعة أوراق لإكمال المعاملة. ثم يحيلونك إلى عاقل الحارة وقسم الشرطة ثم يطلبون منك ضمانة تجارية من أي تاجر معتمد رسمياً من الغرفة التجارية ،ثم التوجه لتوقيع الضمانة من قبل عاقل الحارة وقسم الشرطة للمرة الثالثة إضافة إلى ضرورة تعميد الضمانة من قبل الغرفة التجارية نفسها وكل هذا يقترن بدفع رسوم ما أنزل الله بها من سلطان. ولا نقصد بهذا فقط توضيح مدى التطويل والتخلف في الإدارة وإنما مدى غياب الحكم الرشيد ومدى الاستهانة بالمواطن وكأن المواطنة حكر على عاقل الحارة ورئيس القسم والتاجر دون أي اعتبار للبطاقة الشخصية ولا لحق المواطن في شراء أية سلعة دون الحاجة إلى مثل هذه الاجراءات الفاسدة. عموماً يحال المواطن بعد إتمام كل ذلك إلى إدارة البحث الجنائي لإثبات حسن السيرة والسلوك وكأنه مواطن متهم حتى تثبت براءته ليصير مستحقاً لشراء هذه السلعة أي(الدراجة النارية ). وهناك أيضاً لا نستطيع وصف مدى التخلف الإداري داخل إدارة البحث التي تحيلك بعد ذلك إلى إدارة تابعة لها تقع على بعد عشرين كيلو متراً منها ،وهناك تقوم بتوفير كل ما يطلب منك كالصور الفوتوغرافية ،وتدفع رسوم الاستمارة التي يعمل عليها الفيش والتشبيه بطريقة مستفزة ومهينة لكرامة المواطن الموضوع في خانة الاتهام ظلما وعدواناً حتى تثبت براءته ، وعليك أن تدفع لشخص يقدم لك الماء و الصابون لغسل يديك الملطختين بسواد المداد. بعد ذلك تتوجه إلى إدارة المرور لتبدأ المعاملة من جديد داخل المكاتب وفي الساحة ولتقضي هناك فترة أسبوعين إضافة إلى الأسبوعين السابقين خارج المرور أي الأجمالي فترة شهر. وإذا صادف انتهاء الأرقام فعليك الانتظار أسبوعاً أو أسبوعين حتى تصل الأرقام الجديدة من صنعاء وكذلك إذا لم تتوفر دفاتر الرخصة أي لا يُعمل في الإدارة حساب ذلك بعد ذلك تواصل المعاملة من جديد ،وتقوم بملء العديد من الاستمارات والبيانات والتسجيل وتصوير كل هذه الاستمارات وجمع التوقيعات بصورة متكررة من نفس المختصين وعلى نفس الاستمارات وكذلك تجمع عليها أختامهم و بصورة متكررة ومكروهة. ثم تفحص الدراجة مرة ثانية بعد أن فحصت في البداية وفي نفس المكان وأن تقوم بشراء قبعة حديدية ولوحة تقوم بتلحيمها لدى ورشة لحام ،وتدفع رسوم الرقم وهناك العديد من الرسوم المتكررة والمصاحبة لكل استمارة على حدة لا يمكن حصرها هنا وما أنزل الله بها من سلطان. عموماً تستغرق المعاملة أكثر من شهرين في حين لا تتطلب من بداية الجمارك إلى آخر المعاملة في المرور أكثر من أربع ساعات كحد أعلى ومبالغ فيه إن وجدت الإدارة السليمة ولن تستغرق لو أقدمت مثل هذه الإدارة على إصدار أو تنفيذ قرار حكومي بمنع الدراجات ومصادرتها بذريعة حل القضية دون التعرف على أسباب كثرة الدرجات للعمل على الحد من مشاكلها وكثرتها بطريقة علمية وغير مباشرة. كأن تعمل على تحسين خدمات الانتقال الجماعي بصورة منظمة ومتوفرة في جميع الأوقات وبأسعار مناسبة وتواكب احتياجات المواطنين فلا يضطرون إلى استخدام الدراجات. وهكذا علينا الانتظار لحين القضاء على الفساد الإداري وتوفر الحكم الرشيد ليتحقق الأمن والأمان والتنمية المستدامة بل لتتحقق المواطنة المتساوية ويسود العدل في البلاد. والله من وراء القصد رابط المقال على الفيس بوك