السلاح لم يعد تلك البندقية المتدلّية بزهو على خاصرة العسكري والشيخ والقبيلي ورجال العصابات ....ولم يعد تلك الرشاشات والمجنزرات التي أنهكت الوطن بصوت هديرها القاتل بين كل عدة سنوات . السلاح الذي استُخدم من قبل -ومازال مُستخدماًحتى اللحظة- النظام لأكثر من ثلاثة عقود كان هو ذلك التهميش والتجهيل الذي نالته كثير من المناطق اليمنية ، ومنها محافظة تعز ، بهدف إخماد صوت الوعي والمطالبة بالمواطنة المتساوية. أخذتني الظروف من غيرتخطيط مسبق إلى مناطق نائية في محافظة تعز...جعلتني أشعر أن من يعيشون هناك يحتاجون إلىمن يعي معنى الإنسانية قبل أن يتربّع على مقاعد الساسة ...أناس هناك تتعلق منازلهم على جبال مديرتي مقبنة والمعافر تدوربهم الحياة من منزلق إلى آخر ...يحتفي بهم الجهل والمرض والعطش والحرمان . طرق الوصول إليهم أشبه بمحاولة للانتحارلمن لا يعرف التعامل مع تلك الطرق الوعرة ، وعندما تصل إليهم تجدهم أناساً يتفيأون القيض ويبتسمون للقادم الذي يأتي من بعيد علّه يحمل إليهم الأمل الذي يخبئه المجهول ..وما يشعرون أننا أكثر وجعاً منهم لأننا ندرك لماذا هم كذلك- فنحن نشبههم مع فارق أننا أكثر قرباً من وجع المدينة الثائرة( تعز)التي عوقبت بالعطش والظلام الطويل -ولِمَ وهم في القرن الواحد والعشرين وبعد مرور خمسين سنة على قيام ثورة سبتمبر، وسنتين لانطلاقة ثورة فبراير ،مازالوا يفتقدون إلى وجود مدرسة ثانوية ...ومازالت بناتهم ونساؤهم يتسلقن الجبال وينحدرن إلى الآبار من أجل البحث عن شربة ماء. ربما منطقة الخيفة ذات المنازل المعلقة على جبال براشة إحدى عزل مديرية مقبنة التي تتعطش لإشراقة الحياة على وجه كتاب وقلم ومدرّس ،هي إحدى مناطق مديرية مقبنة في محافظة تعز التي تعاني الحرمان من أبسط الخدمات في التعليم والصحة والمياه والكهرباء ، ومثلها منطقة الأدروس في المديرية نفسها تتعطش لشربة ماء ، وقلم تعبّر به عن ذلك الأنين والفقر الذي يحرمهم كافة مقومات الحياة الإنسانية في أرض جبلية لا تنتج سوى المزيد من الأحجارالصماء ، فلا أرض زراعية ولا مياه ولامدارس ولا دولة تسأل عن مصير مواطنين بل مواطنة متساوية ، كذلك منطقة المحجر في مديرية المعافر، التي إن رأيت في الطريق إليها بعض الخضرة فليست سوى بعض أشجار القات التي لاتزيد سكانها إلا ويلات العطش ،كل هذه المناطق تشعرني بحاجة المواطن اليمني إلى سياسة إنسانية تضع في اعتبارها المواطن أولا ...سياسة لا تفرّق بين مواطن يحمل شعار الشمس أو الخيل أو ...أو ...لم يعد المواطن في كثير من المناطق اليمنية يعيش حياة طبيعية ، بل يعيش شبه حياة ، في حال تعيش فئة قليلة تمتلك ثروات اليمن في حياة رغدة متخمة بالرفاهية ..فهل ستنفتح ملفات الإنسانية في السياسات الجديدة أم سيظل الحال كما هو عليه؟ رابط المقال على الفيس بوك