أما وقد انطلقت وتيرة العمل في المرحلة الثانية من مؤتمر الحوار الوطني، فإن ثم ة ما يدعو إلى التفاؤل بإمكانية وقدرة القوى والتكوينات السياسية داخل هذا المؤتمر من التوصل إلى صيغة مشتركة تجنب اليمن في الأول والأخير مغبة الانزلاق إلى متاهات الحرب والاقتتال والتشظي. على أن مثل هذا التفاؤل، ينبغي ألاّ يغفل التحديات الماثلة أمام نجاح هذه العملية السياسية، سواءً لجهة التحديات التي تعترض شروط التغيير وإقامة الدولة المدنية العادلة أو لجهة دور بعض الدول الإقليمية الهادفة تقويض عملية التسوية وعرقلة أية صيغة للتفاؤل، وذلك من خلال محاولة تمرير مشاريع لإقامة دويلات شطرية أو كانتونات طائفية. على الرغم من تلك الأجواء المفعمة بالتفاؤل، تبرز كذلك إشكالية جلية من خلال غياب الرؤية الواضحة لمعالجة أهم المعضلات التي تعترض إقامة المشروع النهضوي في اليمن، لعل أبرز تجليات هذه المعضلات تكمن أولاً في غياب التوافق لمعالجة القضية الجنوبية التي فضل حاملو رايتها داخل مؤتمر الحوار عدم الخوض أو البت في باقي القضايا الوطنية المطروحة ما لم تتحدد وتتبلور ترجمة واقعية لمعالجة القضية الجنوبية، وفقاً للنقاط العشرين التي قدمتها لجنة الحوار منذ انطلاقة عملها.
وما ينطبق على القضية الجنوبية، كذلك ينطبق الحال على قضية صعدة الذي جاء تقرير الفريق الخاص بهذه القضية أمام الجلسة العامة الثانية لمؤتمر الحوار خالياً من تشخيص الأزمة أو وضع رؤية شاملة ودقيقة لحلها تأخذ بعين الاعتبار مسببات وجذور الأزمة، وهو ما يعكس – بالنتيجة – مدى التباين بين الأطراف السياسية وتحديداً طرفي الأزمة إزاء هذه القضية، الأمر الذي سيرحل – في اعتقادي – إلى لجنة التوفيق لاتخاذ القرار الصائب بشأنها. إن التحديات المنتصبة أمام استكمال ملامح التغيير وإنجاز التسوية السياسية، تتطلب جدية في الموقف ومواجهة شجاعة ضد لوبيات البعض، فضلاً عن ضرورة توفر رؤية عميقة للحل في إطار اليمن الواحد والمتطور ضمن منظومته الإقليمية المتجانسة تاريخاً وثقافة وروابط قوية. وبدون هذه الإرادة الصلبة والرؤية البعيدة لماهية ودور اليمن، ستبقى هذه القوى أسيرة الماضي وحبيسة لمخرجاته السلبية، ولكن – على الرغم من ذلك – سيبقى التفاؤل سيد الموقف مهما كانت جسامة التحديات.