لأن الحرية بطبيعتها ملونة، فلا لون ثابت أو محدد لها، إنها بكل ألوان الزهور والطيور والأحداق، مهرجانات ألوان، وكرنفالات مرايا، وإذا جاز للون ما أن يعبر عن الحرية، فهو اللون الأبيض، لون الضوء الذي يضم ويتضمن كل ألوان الطيف، وبه ومن خلاله تعبر الألوان عن وجودها، وتبرز ملامح الوجوه وخصائص الأشكال وخصوصيات الاختلاف، التباينات التي هي روح الحرية، إذ لا معنى لحرية بلون واحد، مهما بدا هذا اللون جذابا ومعبرا، إنها حينذاك لن تختلف عن نقيضتها الشمولية. أما لماذا هي حمراء، في البيت الشعري الشهير: وللحرية الحمراء بابٌ بكل يد مضرّجة يُدَقُّ فلأنها حمراء في خيال كثير من الناس، ومنهم الشاعر “أحمد شوقي” الذي لم يطرح اللون الأحمر، لون الدماء والحرائق، كلون نهائي وحيد للحرية، بل كخيار عنيف ملائم لمواجهة العنف الاستعماري، ولأن هذا الخيار الأحمر كان واستمر هو الخيار العربي الوحيد للمقاومة والثورة، فلم نصل إلى الحرية، وكل ما فعلناه خلال تلك الثورات الحمراء أننا استبدلنا الاستعمار بالاستبداد، والقيود الأجنبية بقيود محلية، ولاحقا لم يكن العنف ليؤدي لأكثر من التداول الدموي للاستبداد، بخلاف ثورات بيضاء كثيرة، كثورة غاندي وثورة مانديلا.. وصلت بتضحياتها النبيلة من طرف واحد، إلى الحرية بشكل أكثر عمقا وواقعية..!! بالمثل لا صوت محدد للحرية، لأنها كامنة في كل حنجرة، وفي كل وتر، وعلى مختلف درجات الإيقاع ، ولأنها بالضرورة مجبولة على التعددية والحداثة، فلا صوت محدد أو ثابت أو رسمي لها، وإن جاز أن يكون للحرية صوت، فهو الصوت الانتخابي، صوت الأصوات جميعا، وحصيلة تصويت كل الشرائح والتيارات والفئات.. بدون هذا الصوت لا صوت للحرية ولا وجود لها.. أولئك الذين رفعوا باسم الحرية شعارات اختزالية عن الصوت، مثل “لا صوت يعلو على صوت الحزب”، أو”.. المعركة”.. كانوا يصادرون بأسواطهم أصوات الجماهير، حتى شعار “لا صوت يعلو على صوت الشعب”، هو شعار شمولي وكاتم صوت أنيق هو الآخر، فليس للشعب صوت واحد محدد، وهو المفعم بتنوع غير محدود للأصوات والأصداء والحناجر والأوتار والأقلام والأنامل.. موزاييك متناغم من الرغبات والتوجهات المتداخلة والمتقاطعة والمتفاصلة، وحسب قيم الحرية، فلا صوت أفضل من صوت، ولا صوت يعلو على صوت. للحرية أكثر من لون، وأكثر من صوت، وأكثر من معنى وتفسير ورؤية وممارسة.. إنها بجموح قوس قزح، وارتفاع السلم الموسيقي، ولأنها هي الأصل والفطري والطبيعي، فهي لغة الكون والوجود بمفردات التعددية الخلاقة، التنوع الخصب، والتغاير المنتج، والاختلاف المبدع، في مقابل الشمولية الطارئة، بمفرداتها العنصرية النمطية الأحادية التي لا تتسع للون الزنجي ولا لصوت المرأة، ولا لوجود الآخر المغاير الرأي أو الفكر أو العرق أو المذهب أو العقيدة.. لصالح اللون الواحد، الصوت الواحد، التوجه الواحد.. والأطر المحددة سلفا بصرامة لغة الجيش، حيث الزي العسكري الموحد، والخطوة العسكرية الرتيبة..! ختاما، لكل شخص أن يتصور الحرية بلونه المفضل وصوته المحبب، ويمارسها بطريقته الخاصة، هذا بالذات يجسد نصف إيمانه بالحرية، أما النصف الآخر فيتجسد من خلال رؤيته للألوان والأصوات والممارسات الأخرى، باعتبارها رؤى نسبية تشكل مع رؤيته اللوحة الأجمل للحرية، والسمفونية العبقرية للحياة.. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك