اتصل ريان الشيباني برياض السامعي، قال له: مبروك يا رياض، قال: على أيش؟ قال: مش طلعت مصاب بالسكر، قال: أيوه... قال إذن مبروك. الحزب الليبرالي اليمني الذي أنشأه رياض كان آخر مشاريعه الحماسية وقد أصاب صاحبه بالسكر، هكذا مثلما لو كنت تنظف بندقيتك الجديدة فتبتر أحد أصابعك أوتصيب الرجل الذي في المرآة... أشعر بالحزن لأنني كنت أود من الليبرالية أن تصيب العميان بالسكر لا رياض السامعي وفي هذه السن المبكرة وعقب فرحته بقدوم ابنه أشرف... ليصبح أول طفل اسمه أشرف، لأب ليبرالي اسمه رياض وفوق هذا مصاب بالسكر. قلت لرياض في بدايات الحزب: أخشى أن تحرق الاسم فقط وتقتل تجربة إمكانية إنشاء حزب قوي بهذا الاسم، لدينا ثورة احترقت تماماً تسميتها لدرجة أنه لم يعد من المنطقي استخدام كلمة ثورة بكل ما في الكلمة من عنفوان الدلالة، وطراوتها وحماسها..ومثله الحزب الديمقراطي الذي كان يمكن أن تطلق عليه أي شيء إلا أن تسميه ديموقراطياً..ذلك إن أياً من قيم الديمقرطية أو مبادئها لم يكن يتجسد حتى في الماطور الذي كان يتولى رئاسة تحريره أسامة الذاري. وحده أحمد عبدالرحمن يعي هذا جيداً ويضحك الآن. أتخيّل رياض السامعي وهو يشرب “قشر مشهف”(قهوة مر)،مثل أمي تماماً تمسك الكأس بلطف ثم تقتنص الفرصة التي نكون فيها غافلين وتدلق ملعقة سكر إلى الكأس... ذلك أنه من غير العدل أن لا تستمتع بحلاوة الأشياء، لكن رياض يفكر الآن في “خالٍ من الجلوكوز” الخاص بمرضى السكر، وأتخيل رياض وهو متمرد مثل أمي، لا يقبل أي شيء من هذا القبيل، وسيغافل منصور شريكه ويدلق ملعقةً في بيان سياسي مثلاً... على غرار ما كان يفعل في اتحاد الأدباء وهو في قمة حماسه، يكتب بيانات ثم يضحك بعدها، كما لو كان كتبها ليضحك... يكتب بيانات برفقة أحمد ناجي أحمد إلى الدرجة التي تحولا فيها إلى “كتّاب بيانات”... حتى إنك تكاد تقول لنفسك: إنهم بموجب ذلك حصلوا على العضوية في اتحاد الأدباء لولا قصائد رياض الدرويشية بامتياز..وبرنامج أحمد ناجي أحمد الإذاعي «تربيتنا الروحية» الذي بدأ وأنا طفل في القرية ولم يتوقف حتى بعد أن انتقل أخوه محمد من النقد الثقافي إلى نقد المذكرات السياسية.. وكم أحب عداوتهما (أوبالأصح اختلافهما الجهري) وهو يتجلى في صرامة محمد وضحكة أحمد كلما ذكرنا أخاه لتصبح ألذ عداوة على الإطلاق.. فطرت قلبي حين قرأت منشور محمد ناجي عقب وفاة ابنة أخيه الدكتورة المصابة بالسرطان... المهم أن أحمد ما زال يكتب شعراً صوفياً... ويصفع يد كل من التقى به “مشتاقين يا رجل” حتى إنه صافح إحدى الأديبات مرةً وقال لها “مشتاقين يا رجل”. رياض ليس كذلك، رياض يتغير في كل لحظة (ليس بالمعنى السلبي الأخلاقي) وإنما بمعنى التقافز والتجديف المتواصل كيفما اتفق.. ورياض شاعر وشاب مشاغب ونقي من داخله، ولديه مخالب يدافع بها عن نفسه كما يقول أحمد شوقي أحمد، ونموذج لحلم يتكسر شظايا على طاولة رخام التعب... أما الحزب الليبرالي اليمني، فهو أهم مشروع كنا بحاجة إليه في ظل الغوغاء وفي ظل تقاذف الليبراليين بين الأحزاب والمكونات التقليدية والقوى العفنة... ولكن ليس بالطريقة التي فعلها رياض كما يفعل في مشاريعه الحماسية...وأنا لا أكتب هنا تقييماً في الحزب الليبرالي ذلك أن رياض أحد المخذولين في هذا العالم، وسررت ببيانه الذي يتضامن مع قضيتي، لكني أتحدّث عن بلاد ماتت فيها كل التجارب الجميلة واحترقت فيها التسميات والمشاريع... وأصيب فيها الشباب بالسكر بينما “الشيوبة” يحكموننا ويشربون مداعتهم القديمة، و«معمرين بوري» على كيفك... ووحده الحلم يموت مثل “طبيبة مريضة بالسرطان”. رياض جرّب كل شيء حتى النقد، وبنفس الحماس، ومرةً في صحيفة المستقلة كان يقرأ ياسين الزكري شعراً (وبيننا نافذة من دخان)وفسر رياض هذه الصورة الشعرية بأن المحبوبة كانت تطل من نافذة المطبخ في القرية بينما يتصاعد دخان حطب التنور، فضحكت من قلبي وسميته(النقد البلدي) فأقلع رياض عن ذلك تماماً، لكنه لم يقلع عن تجاربه المتواصلة في كل شيء فرياض ليس سوى رمز للشباب اليمني الذي خذله كل شيء، وخذل نفسه في كل شيء، إلا أنه يبقى سيد التحولات، وتتوقع منه أي شيء إلا أن يُقدم على خطوةٍ من هذا القبيل: استئجار شقة في السنينة، الزواج من امرأة صالحة، إنجاب ولد اسمه “أشرف” باسم أحد الشهداء، إنشاء حزب جديد، الإصابة بالسكر. رابط المقال على الفيس بوك