أوقفني سلفي - ينتمي إلى جماعة السلفيين - ذات نقاش غير هادي، ليحدثني عن خطر إيران، ونواقض الإيمان، وذكّرته بخطر آخر هو عدم المعاملة بالمثل لآيات القرآن كافة، وحدثته عن قصة “ويل” التي تكرّرت في القرآن وقيل في التفسير ويل: واد في جهنم، كان كل منا يؤكد ما يؤمن به. جميعنا يقرأ الآية التي وردت في سورة “الماعون” «ويلٌ للمصلّين الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون» هذه الآية تستحوذ على اهتمام الخطباء جميعاً، ويمكن ملاحظة أن ما أتى بعد المصلّين الساهين متعلق بالأخلاق أيضاً، ورغم أن ويل وردت في أكثر من موضع في القرآن وتصدّرت آياتُ سوره، ما يعني أهمية الخطاب بعدها كسورة “المطففين” البادئة ب «ويلٌ للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين» لاحظوا التشديد على سلوك التطفيف، والتطفيف في التفسير “البخس في المكيال والميزان إما بالازدياد إن اقتضى من الناس وإما بالنقصان إن قضاهم”. ترِد “ويل” في صدر سورة “الهُمزة” «ويل لكل همزة لمزة، الذي جمع مالاً وعدّده، يحسب أن ماله أخلده، كلا لينبذن في الحطمة، وما أدراك ما الحطمة، نار الله الموقدة، التي تطلّع على الأفئدة، إنها عليهم مؤصدة، في عمد ممددة» ولاحظوا التشديد في السورة، قال ابن عباس: “هم المشاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العيب، ومعناهما واحد وهو العياب”. ليس كل خطباء المساجد على مسافة واحدة من آيات القرآن ومن تعاليم الإسلام، منذ أيام استدل أحد الخطباء بآية “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ” وهو يحذّر التلاميذ من يلقون بكتب المدرسة التي عليها آيات القرآن، ثم حمّل الآباء المسؤولية. وآخر في عيد العمال ذكّرنا باحترام الإنسان للعامل وحرصه على تكريمه قبل أن يجف عرقه، فهم من تقوم عليهم بناء الدول والحضارات، وهي خطبة لأول مرة أسمعها في حياتي داخل مسجد، ويقدّم خطيب آخر مشكلات يعتقد بأهميتها شخصياً على أولويات المجتمع والمشكلات التي يعانيها؛ فيستطرد في وصف لبس فتيات يحضرن الأعراس ويوغل في الوصف، يتحوّل الخطيب أحياناً إلى مدافع عن قناعاته الخاصة كما قد يفعل أي منّا، لكن الخطورة هي أن الخطيب يقف على منبر له قداسته ويؤثّر في آلالاف أو مئات الآلاف من الناس. يشغلني حتى اليوم إغفال أحاديث مهمة عن الرسول “إنما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق” لكن اهتمام الخطباء بالأخلاق يكاد لا يُذكر أمام اهتمامهم بالأخلاق، وما أقصده تلك التي لخّصت في حديث «الدين المعاملة» التي تؤثّر على المجتمع وعلاقة الناس ببعضهم؛ إنها روح الإسلام الذي جاء من أجل صلاح الأرض والإنسان.. ويصدق الشاعر حين يقول: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا. رابط المقال على الفيس بوك