أتابع في العمود، ما بدأته في عمود اليوم بالأمس عن سورة «الهمزة» الكريمة، التي ركز الله سبحانه وتعالى الآيات الكريمة في السورة عن «الهُمزة اللّمزة» وماذا ينتظرهم، مبيناً معنى «الهُمزة اللّمزة».. وموضحاً اعتقاده ب«الخلود»، واعتقاده ذلك مبني على جمع المال والانشغال في عده..وقد توعد الله وهدد «الهُمزة اللّمزة» بالويل، الذي يقول بعض المفسرين إنه واد سحيق في قعر جهنم، بينما آخرون يرون أن «ويل» لا تزيد عن تهديد ووعيد. أنا مع التفسير الأخير لأن الله العزيز الحميد في الآية الرابعة أن من يجمع المال وينشغل بعدّه اعتقاداً منه أنه مخلد ما دام لديه مال، أو صار يجمع المال لأنه مخلد..نعم يقول الله في الآية الرابعة مكذباً وهم هذا الاعتقاد «كلاّ» وفي «كلاّ» جزم وتشديد.. «كلاّ لينبذنّ في الحطمة» ونلاحظ المفردات «لينبذن» فيها أيضاً تشديد وجزم، وعزل ل«الهمزة اللمزة» أين يكون هذا العزل «بالحطمة» والحطمة وصف من أوصاف النار «جهنم» وفي ذلك ايضاح لما ينتظر «الهمزة اللمزة» يوم الحساب إن ما ينتظره «العزل النبذ في الحطمة» أي أنه يدَّع إلى نار جهنم.. بل ويعزل فيها أي يكون منبوذاً حتى في نار جهنم..وبالتالي و«ويل» تهديد ووعيد..والجزاء واقع لامحالة ولامحيص منه..وهو النبذ بالحطمة.. ويبين الله القوي العزيز في الآية اللاحقة معنى «الحطمة» حيث يقول جل من قائل: (وما أدراك ماا لحطمة نار الله الموقدة)، «وما أدراك» تشير هنا إلى هول «الحطمة» أن للحطمة هول عظيم.. إنها نار الله الملتهبة والمشتعلة أي أنها ليست أي نار.. ليست ناراً بشرية.. إنها نار لا يمكن تصورها وقد أعدت للكافرين ومن يعتقد أنه مخلد فقد كفر وكذب، وهي نار يسمع أوارها ولا يخمد لها أوار، أي أن لها صوتاً مخيفاً مرعباً من هول اشتعالها.. وتتواصل الآيات المفصلة لمميزات «الحطمة» حيث يقول العليم: «التي تطّلع على الأفئدة، إنها عليهم مؤصدة، في عمد ممددة». هذا هو ما توعد وهدد به الرؤوف الرحيم «الهُمزة اللّمزة» أي جامع المال الذي يعتقد أنه مخلد، فجمع المال وانشغل بعدّه ولم يوظفه أو يستثمره فيما ينفع الناس، ويفيدهم ويخفف عنهم الفقر والعوز والبطالة ويحقق النماء والرخاء والرفاه للبلاد والعباد، ولم يتصدق ولم يزك، وكل همه جمع المال بغض النظر في كيفية الجمع، فقد يرابي وقد يرتشي وقد يحتال وينصب ويحتكر ويستغل أو يتاجر بالحرام أو يغش ويطفف في الميزان سواء كيلاً أو وزناً، أو بالخلط والمزج في المواد المصنعة، فكله تطفيف.. والله قد حذر، وقال: «ألا تطغوا في الميزان»، أي لا تظلموا الآخرين في الوزن وتنقصوا تحت ضغط الطمع في جمع المال وكنزه وعدّه اعتقاداً أن ذلك مخلدك.. فليتدبر كل غارق بالمال ويلحق نفسه قبل فوات الأوان.