يتجه العالم اليوم نحو انتحار كوني وشيك، إنها الكارثة المدمرة والسقوط المدوي للسياسة العالمية التي كادت مؤخراً ان تفقد طبيعتها الإقليمية ومعاييرها الإنسانية، حيث ظهرت بصورة غير لائقة بتكريسها لسياسة القطب الواحد لاسيما في الآونة الأخيرة بعد ان ثبت ان الديمقراطية ما هي إلا مجرد شعارات وهمية ترددها قوى مستفيدة وأخرى مستبدة تهدف بدرجة أساسية إلى السيطرة الكاملة على العالم بأسره. نصف هذا العالم يعيشون حالة من الاضطراب واللا استقرار وربعه يعيشون حالة من الفقر والجهل والاضطهاد ما الذي غيّرته الديمقراطية في حياة هؤلاء الضعفاء سوى تدني حياتهم المعيشية إلى أدنى مستوى مقابل تصاعد سريع في رأس المال العالمي الذي تسيطر عليه فئة صغيرة لاتتعدى نسبة عدد سكانها عشرة بالمائة من إجمالي سكان العالم جلبت تلك الأموال الطائلة بطرق غير شرعية باستحواذها على غالبية ثروات دول ما يسمى بالعالم الثالث المعروفة بالأكثر فقراً. ان التطورات السياسية التي تفتقد سمة عدم الارتباط الكلي بالسياسة الغربية دائماً يتم تصويرها بالسياسة الفاشلة ولاتجد أية مساندة باعتبارها صورة نقيضة للسياسة العالمية وهذا في الحقيقة يثير الكثير من الشكوك ويكشف حقيقة نوايا تلك السياسات البروتوكولية وبالتالي يصف الكثير من المحللين والمتابعين للتجارب الديمقراطية التي توصف بالناجحة في العالم الغربي الرأسمالي بأنها غير مقنعة لأن مفهومها العام يخفي أبعاداً مختلفة مما يعني ضمناً ان مخرجاتها متغيرة من مكان إلى آخر بحسب المناخ الإمبريالي التوسعي وهذا يتناقض تماماًِ مع قيم ومبادئ العمل الديمقراطي ناهيك عن السلطة التي باتت مقصورة على فئات بعينها ودائماً ما تكون محصنة بالقوة وهذا ما يفقد الديمقراطية قيمتها الحقيقية ويجعل منها أداة للسيطرة وإذلال الشعوب بدلاً من ان تكون نموذجاً حضارياً لتداول السلطة بشكل سلمي. حقيقة اذا كان لابد ان تكون الديمقراطية وسيلة حضارية تقتضيها مجريات العصر ينبغي ان تكون هناك التزامات أخلاقية تفي بمضمونها مما يدع مجالاً للتعبير بحرية مطلقة كي لا تتحول المجتمعات البسيطة إلى مجتمعات تبعية تفتقد القرار السياسي والعسكري. على العموم ما هو واضح وجلي ومن خلال الغوص في أتون السياسة العالمية نستطيع القول: ان تقسيم العالم إلى قوى متنافرة وأخرى تبعية لتلك القوى هو في الواقع البعد الحقيقي لمعنى الديمقراطية حيث تم تنميط شعوب العالم على هذا الأساس وفق معيار شعوب حضارية وأخرى متخلفة دون ان يكون هناك ادنى فهم ان ما وصلت إليه تلك الشعوب الرأسمالية من تقدم لاشك انه قد بني على انقاض تلك الشعوب الفقيرة وبالتالي مفهوم الديمقراطية يعد واحداً من مجمل المفاهيم الرامية متعددة الأهداف التي تسعى قوى الهيمنة العالمية الى فرضها على شعوب العالم الثالث بالكيفية التي تراها مناسبة ستحقق كافة أهدافها القريبة والبعيدة على حد سواء وعليه فإن الديمقراطية بحسب المفهوم الغربي وجه آخر للهيمنة العالمية غير قابلة للتطبيق في دول العالم الثالث اذا لم تكن نتائجها لا تخدم مصالح القوى الرأسمالية المصدرة لها ماحدث في الجزائر وفلسطين ومصر حالياً اكبر دليل يثبت صحة ذلك وهذا يكشف حجم السقوط القيمي في السياسة العالمية. فعندما تسعى الشعوب نحو تحرير ذواتها من سطو السياسة الاستبدادية بفعل ثوري سلمي غالباً ما يتم استدراجها إلى مربع العنف في هذا الظرف بالذات تتهم تلك الشعوب أوالأنظمة بالإرهاب كمبرر للتدخل العسكري كما حدث في دول كثيرة ليبيا وسوريا وغيرها في الوقت الذي اذا لجأت إلى طرق حضارية بتغليب الخيار الديمقراطي عن الخيارات الأخرى دائماً ما توأد تلك التجربة في أيامها الأولى كما حدث في مصر، لقد أكدت الأحداث الأخيرة ما يفسر حقيقية البعد السياسي الغربي في التعاطي مع المتغيرات بصورة سلطوية حتى لو تمكنت شعوبنا العربية من إحداث تغييرات جزئية بطرق ديمقراطية أو مصالحة وطنية بحيث يحفظ هذا التغيير امنها واستقرارها تسعى قوى الهيمنة الغربية إلى محاولة تصوير تلك الحكومات بأنها شكلية ومعاقة مستغلة كل نقاط الضعف التي تعاني منها تلك الحكومات حديثة السن بفرض بعض الإملاءات من اجل تطويعها لتعلب دورا بديلا عن الأنظمة الديكتاتورية التي سقطت بفعل الثورات والا ستكون حتماً عرضة للسقوط المبكر ومن الثوار انفسهم (ثوار الأجندة) في حالة تعنتها. الجدير بالذكر ان الشعوب العربية والإسلامية لاترفض فكرة الديمقراطية من حيث المبدأ اذا كانت بالفعل ستحقق ما تصبو إليه تلك الشعوب من حرية وإصلاحات جذرية ستدفع بحياة الكثيرين نحو الأفضل في ظل استقلالية مطلقة بعيداً عن التدخلات الخارجية لكن الواقع يكشف زيف كل الادعاءات الكاذبة التي تروّج لهذا المفهوم اللصيق بالهيمنة الغربية، فحينما لا تجد قوى الهيمنة الغربية مجالاً لتدخل العسكري تحت مبرر حفظ السلام فإنها في نهاية المطاف تلجأ إلى ما يسمى بالديمقراطية المزعومة كبديل اقل ضرراً وأكثر قبولاً من غيره في فرض هيمنتها. رابط المقال على الفيس بوك