عندما يصر البعض على أن قوله وفعله وحده الذي يمتلك الحقيقة، وعندما تكون نتائج فعله الآثم والفجور الذي يقود إلى تفريق شمل الشعب وتمزيق وحدة الأمة فإن ذلك كله خدمة العدو الذي لا يروق له وحدة الأمة، كانت بعض القوى السياسية تعتبر كل قول لين مع عدو الأمة كفراً بواحاً، واليوم لم يعد مجرد ذلك القول صباحاً لها، بل بلغ الأمر ذروته وأنه لا فلاح إلا بالاستقواء بالعدو وتمكينه من رقاب الناس ومقدرات الأمة وإسقاط السيادة الوطنية ورهنها للغير مقابل البقاء في السلطة. إن الهرولة الذي نشاهدها يومياً من تلك القوى واحدة من عناصر النفور الشعبي من تلك القوى التي ظلت سنين طويلة تنحت في عقول النشء خطورة مولاة الأعداء، وكان الناس يدركون أن عدو الأمة واحد وهو الكيان الصهيوني الذي اغتصب الأرض والعرض ودنس المقدسات وأهان شرف الأمة واستوطن أرضها واستحل مقدراتها ونهب ثرواتها، ثم تأتي بعد ذلك الأحداث بغير ذلك تماماً، الأمر الذي دفع تلك القوى إلى سياسة الترقيع والتبريرات التي كشفت عملياً مفهوم الغاية تبرر الوسيلة، وجعلت الناس يدركون أن ما قيل خلال تلك الفترة الطويلة لم يكن أكثر من وسيلة فقط، ورغم هذا الوضوح إلا أن البعض للأسف نجده يغوص في بحر التبريرات التي لا تعبر عن جوهر الإسلام الحنيف. إن المشهد السياسي في الوطن العربي يعبر على حالة الفشل التي وصلت إلى صميم الفكر الذي ظهر مستبيحاً لكل شيء في سبيل البقاء في السلطة، ونحن هنا في اليمن مازلنا والحمد لله نفاخر بأن الإيمان يمان والحكمة يمانية، وأن موضوع التسوية السياسية الذي رسمه اليمنيون لا ننسى مازال منارة وعلامة فارقة في المشهد السياسي العربي، ولذلك نكرر الدعوة لمن يراوده التقليد والإملاء الخارجي أن يتعظ ويتخلى كلياً عن الغرور والاستحواذ وإنكار الآخر، وليجعل من الثلث الثاني مدرسة يتعلم فيها طرق الوصول إلى المغفرة من رب العالمين، ليعم التصالح والتسامح وتزول الكراهية والأحقاد والبغض للآخر ليتعايش الجميع استعداداً للوصول إلى العتق من النار بإذن الله.