عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية في عدد من الدول العربية مطلع العام 2011م للمطالبة بإسقاط الأنظمة الحاكمة بدءاً بتونس ثم مصر وليبيا واليمن وسوريا، كنت واحداً ممن نبّهوا إلى خطورة رفع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» وقلت حينها يجب أن يكون الشعار «الشعب يريد إصلاح النظام» لأن إسقاط النظام يعني إسقاط الدولة، وإسقاط الدولة يعني إحلال الفوضى محل النظام والخوف محل الأمن والاستقرار والخراب محل البناء والتنمية، وقلنا إن ما يحدث هو تنفيذ للمخطط الصهيوني العالمي «الشرق الأوسط الجديد» الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي السابق دبليو بوش ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس والتي أكدت أن الدول العربية مقبلة على الفوضى الخلاقة لإقامة الشرق الأوسط الجديد، وتم لاحقاً تغيير مصطلح «مشروع الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة» إلى «ثورات الربيع العربي» لكننا اتهمنا أننا «بلاطجة النظام بقايا النظام الفلول.....» إلى آخر المصطلحات التي أطلقت على كل من لا يؤيد مطلب «إسقاط النظام» وخرج علينا جهابذة الفتاوى الجاهزة بحسب الطلب ليفتوا أن الخروج على الحاكم جائز شرعاً، وأنه لا شرعية سوى شرعية الشارع، وأن المظاهرات والاعتصامات وقطع الطرقات وتعطيل مصالح الناس جهاد عظيم!. الأحداث المؤسفة التي تشهدها مصر وتونس وليبيا وسوريا تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ما حدث في العام 2011م ويحدث اليوم هو مخطّط صهيوني تم الإعداد والتحضير له منذ أكثر من خمسين سنة مضت؛ هدفه تقسيم كل دولة من دول الوطن العربي إلى دويلات عدة على أساس طائفي ومذهبي على مراحل عدة من خلال إشاعة الفوضى العارمة وإسقاط الأنظمة الحاكمة سواء عن طريق المظاهرات والاعتصامات كما حدث في مصر وتونس واليمن أم باستخدام القوة كما حدث في ليبيا ويحدث اليوم في سوريا، وكذا من خلال تدمير قدرات وإمكانات الدول العربية «العسكرية والاقتصادية» وكذا تفكيك الوحدة الاجتماعية للشعوب العربية من خلال إثارة الفتن والصراعات الحزبية والنعرات الطائفية والمذهبية والمناطقية والقروية وزرع الأحقاد والضغائن بين أفراد المجتمع، والعمل على إيصال الشعوب العربية إلى أدنى درجة من التفكّك والخنوع والاستسلام لتنفيذ «مشروع الشرق الأوسط الجديد». المؤسف أن الإخوان المسلمين أكلوا الطُعم حينما تم الدفع بهم لتصدُّر المشهد العام لتنفيذ المخطط الصهيوني العالمي من حيث لا يدرون، حيث تم استغلال عقدة عدم قدرتهم الوصول إلى السلطة في ظروف طبيعية من خلال الانتخابات البرلمانية والمحلية والرئاسية، ويتضح ذلك جلياً من خلال وصولهم إلى السلطة في مصر وليبيا وتونس بكل يسر وسهولة بعد عاصفة الفوضى الخلاقة في مصر وتونس والدمار الشامل في ليبيا، فبعد أن كان الإخوان يحلمون بالحصول على الأغلبية في المقاعد البرلمانية ليتمكنوا من تشكيل الحكومات ليستطيعوا من خلال السلطتين التشريعية والتنفيذية تنفيذ أجندتهم المتمثلة ب«أخونة الدولة» تمكنوا بعد ثورات «الربيع» من الوصول إلى كرسي رئاسة الدولة والأغلبية في المجالس البرلمانية وتشكيل الحكومات والبدء الفوري بالعمل على أخونة الدولة دون التفكير بانعكاسات ذلك على المستوى المحلي والإقليمي والدولي؛ فكانت النتيجة ما حدث في مصر من خروج الملايين في 30 يونيو الماضي بإسقاط حكم الإخوان وما يحدث اليوم بعد سقوطهم من الحكم ونزولهم إلى الشارع للمطالبة بحماية الشرعية الدستورية بعد أن كانوا في العام 2011م ينكرون الشرعية الدستورية ويقولون إنه لا شرعية لأي حاكم أو حزب وإنما الشرعية للشارع؛ لتصبح الفوضى العارمة وإزهاق الأرواح البريئة وسفك الدماء الزكية وتقويض الأمن والاستقرار وترويع الآمنين وتعطيل الحياة العامة مشاهد ماثلة في مصر ومثلها في تونس وليبيا وسوريا. السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو: «إلى أين ستقودنا الفوضى الخلاقة..؟!» وأين عقلاء الأمة من أصحاب الفضيلة العلماء الأجلاء الذين لم يتلوثوا بأدران السياسة والحزبية، وأين عقلاء الأمة من الحكماء وأصحاب الرأي السديد والحل والعقد ليستشعروا مدى الخطر الداهم الذي يفتُّ عضد الأمة ويمزّق نسيجها الاجتماعي ومدى حجم المؤمرة القذرة التي تُحاك ضد الأمتين العربية والإسلامية فيقومون بواجبهم الديني والقومي والوطني لوقف نزيف الدم والانزلاق نحو هاوية سحيقة لن تقوم بعدها قائمة للشعوب العربية والإسلامية؛ ألا يوجد في هذه الأمة قائد يستطيع أن يجمع الأمة ويوحّدها من جديد، أم أن نساء العرب عقمن أن يلدن قائداً مثل الناصر صلاح الدين والزعيم جمال عبدالناصر؟!. رابط المقال على الفيس بوك