منذ أن بدأت الفوضى تجتاح البلاد العربية قطراً تلو آخر تذكرت برنامجاً عرضته قناة الجزيرة في عام 2004م يتحدث عن تقارير سرية تم تسريبها من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) تكشف عزم الولاياتالمتحدةالأمريكية نشر الفوضى الخلاقة في الوطن العربي تحت عنوان شرق أوسط جديد يهدف إلى إدخال الدول العربية في فوضى خلاقة وحالة من الصراع الداخلي المستمر بين مكوناتها الاجتماعية للحيلولة دون حصول تقدم أو نمو أو تطور في تلك الدول كون ذلك يمثل خطرا حقيقيا على مستقبل الدولة العبرية التي تغتصب ارض فلسطين العربية, فبعد الاحتلال الانجلو صهيوني للعراق والقضاء على الدولة الوطنية فيه وإنشاء دولة هشة بديلة تقوم على الجمع بين المتناقضات الاجتماعية والعرقية والطائفية وغيرها من التباينات الأخرى الكفيلة بتمزيق اللحمة الوطنية والإبقاء على حالة الصراع الداخلي مستمرة, حيث انشغل الساسة العراقيون في خلافاتهم البينية على المناصب والحقائب الوزارية والمحاصصة السياسية وأصبح همهم الأكبر وشغلهم الشاغل تحقيق مكاسب فئوية وطائفية وأثنية على حساب المكاسب الوطنية والقومية العليا, الأمر الذي ابقى العراق دولة ضعيفة هشة تنخرها الخلافات والصراعات الداخلية طيلة ألثمان السنوات الماضية. تجربة الفوضى الخلاقة نجحت في العراق نجاحاً باهراً في نظر الأمريكان والصهاينة, مما شجع الولاياتالمتحدة على المضي في تعميم وتطبيق ذلك النموذج على الدول العربية الأخرى انطلاقا من تونس ثم مصر ثم ليبيا الدولة العربية الأكثر استهدافاً من قبل المنظومة الغربية نظراً لما تتمتع به ليبيا من ثروات نفطية وغازية هائلة جعلت الغرب يسارع للاستيلاء عليها ونظراً للترسانة العسكرية الهائلة التي كان القذافي يتسلح بها وكان الغرب يمتعض من امتلاك ليبيا لتلك الترسانة الضخمة ويتحين الفرصة لتدميرها بالكامل وقد تحقق ذلك في ربيع الفوضى العربية, وسيكون المشهد السياسي في ليبيا شبيها بالمشهد السياسي العراقي, حيث سيعمد الغرب إلى تشكيل توليفة سياسة من الأحزاب الدينية والعلمانية والنفعية والعرقية والجهوية المتناقضة لإشعال جذوة الصراع الداخلي فيما بين تلك المكونات السياسية التي ستدخل حتما في حالة صراع داخلي على غرار ما حصل في أفغانستان بعد خروج القوات السوفيتية منها وعلى غرار ما يحصل حاليا في الصومالوالعراق لكي يتمكن الغرب من نهب الثروة النفطية الليبية الهائلة دون أن يتنبه الليبيون لذلك بسبب انشغالهم بالصراعات الداخلية وبهذه الإستراتيجية السياسية ينجح الغرب ليس بذكائهم فحسب وإنما بغباء المجتمعات العربية أيضاً. ربيع الفوضى العربية الآن يؤرق النظام السوري ويهدد الدولة الوطنية السورية برمتها ذلك أن الهدف الغربي واضح في التآمر على سوريا الدولة القوية ذات الاقتصاد المتين المستقر الذي لا يعتمد على المساعدات الغربية وإنما يعتمد على الاكتفاء الذاتي صناعيا وزراعيا ويستند إلى نظام سياسي قوي متماسك وجيش منظم ومدرب وجاهزية عسكرية لا بأس بها على حدود الدولة العبرية المغتصبة لأرض فلسطين والتي لن يهدأ لها بال حتى يتم تدمير تلك القوة العسكرية السورية والقضاء على الدولة الوطنية واستبدالها بنظام هش يتكون من توليفة سياسية تجمع المتناقضات السورية من أكراد وعرب وإخوان مسلمين وسلفيين وشيعة علويين ودروز وغيرها من المتناقضات التي تديم حالة الصراع الداخلي السوري ويجعل من سوريا دولة هشة ضعيفة بدون جيش ولا قوة عسكرية يمكن أن تشكل ولو خطراً بسيطاً على إسرائيل في المستقبل القريب أو البعيد, وما يثبت صحة ما نقول هو الدعم الغربي للفوضى في سوريا وكذلك الدعم التركي من حكومة أوردغان الذي صرح عدة مرات بأنه لن يقف مكتوف الأيدي إزاء ما يحصل في سوريا بينما نرى أوردغان لا يحرك ساكنا تجاه ما يحصل من إبادة للشعب الفلسطيني في غزة سوى بعض العروض المسرحية الإعلامية التي يؤديها أوردغان وكأنه ممثل بارع يجيد أداء الأدوار التمثيلية والمسرحية. ربيع الفوضى العربية كما يصفها هيكل بأنها سايكس بيكو جديدة لإعادة تقسيم المنطقة العربية ونهب ثرواتها مدعومة ومسنودة في دول معينة مثل ليبيا ومصر وتونسوسوريا كونها تخدم الأجندة الغربية الرامية إلى خلق شرق أوسط جديد تسوده الفوضى الخلاقة والاقتتال الداخلي بما يجعل من تلك الدول هشة ضعيفة ممزقة منهكة متعبة تعاني مشاكل سياسية وأمنية واقتصادية, في حين إسرائيل تعيش حالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي والصناعي والقوة العسكرية المتنامية الوحيدة في المنطقة بحيث تكون قادرة على سحق أي تهديد لها من دول الجوار العربي التي ستغرق في مشاكلها الداخلية وفقا للإستراتيجية الأمريكية التي بشرت بشرق أوسط جديد, ولذلك نجد أن الفوضى الخلاقة يجب أن تنفذ في دول بعينها حيث لاحظنا تغاضي الغرب عن إخماد الفوضى الخلاقة في البحرين وكذلك في الأردن وفي المملكة المغربية التي شهدت احتجاجات واسعة طيلة الأشهر الماضية دون أدنى التفات من الدول الغربية لأسباب سياسية إما لأن بعض هذه الدول بعيد جدا عن الدولة العبرية أو الخوف من مجيء أنظمة أو جماعات متطرفة تشكل تهديدا لوجود إسرائيل خصوصا في الدول التي تشترك بحدود طويلة مع إسرائيل مثل المملكة الاردنية الهاشمية وعلى أية حال فإن جوهر الفوضى العربية هو عربي يقتل عربياً حتى نحن في اليمن لم نسلم من ربيع هذه الفوضى برغم أننا لسنا ضمن مخطط الشرق الأوسط الجديد وهذا يتضح جليا من خلال إدراك المجتمع الدولي لما يحدث في اليمن على انه أزمة سياسية ويصر على الحوار بين أطراف الأزمة والدخول في عملية سياسية تفضي إلى انتخابات رئاسية مبكرة. (*) باحث بمركز الدراسات والبحوث اليمني [email protected]