عشقتها كمدينة صاخبة بكل شيء عدا جمالها المستكين في عيون زائريها؛ لن تمكث طويلاً في عشوائيتها «صنعاء تتحدّث بكل لغات الجمال؛ لكن لا يفهمها ساكنوها» هذه العباره التي أفاض بها اندهاشي حين كنت أزورها عابرة على ملامح تألقها؛ ولكن حين قرّرت اتخاذها موطناً لأكون إحدى ساكناتها وجدتها عابسة كئيبة في كل لحظة تهديني ندم اتخاذ قرار انتقالي للعيش فيها..!!. صباحها مكتظ بضجيج ازدحامها، ومساؤها شاحب بعبوسة ليل يتثآب في وجه كل الأحزان، لا يحاور زيف الألفة، ينام باكراً فيها الظلام، فلا يستكين أرق البوح على ورقة بيضاء هي رفيقة وحدة وغربة ترتجي سهو الاكتئاب، يفاجئني هذا الشعور المتخاذل ليصحّي حقيقة أحاول تجاهلها أني كنت مندهشة بصنعاء كزائرة فقط. تمنيّت لو أنها بقيت كما هي معشوقتي؛ ولكنها تأبى إلا أن تكون برتبة الاعتياد لتصبح مدينة عادية، لم تعد دهشتي بها تلفت انتباه هواجس حالمة استمالت يوماً الشعر قُرباناً لعشقها لأقول لها: غنت حروفي لفراقك يا صنعاِء بصوت عاشقة ألحانها تعزُ لا تحسبي موالها طرباً، فبعدكِ جرح على حنيني يعزُ فكل ما يربطني بها نهار ممتلئ بالالتزامات وملاحقة المواعيد؛ يبدأ فيها اليوم بقلق كيفية الوصول باكراً بميعاد يفوت وقته باستهتار العبث الذي يحكم عاصمة مسماها وتوصيفها الاستراتيجي لم يمنحها فرصة تجاوز قطع الطرقات والحفر والهمجية البارزة في غياب التنظيم وحضور المزاج في سلوكيات فئات من هم فوق النظام والقانون. أصبحتُ أرى صنعاء بعين الفاجعة التي عميت أن ترى يوماً شحوبتها، وللأسف هذا العبث لم يعتق جزءها الأجمل «صنعاء القديمة» التي أصبحت مؤخراً مهدّدة بالخروج من قائمة التراث العالمي؛ وكالعادة عجز ميزانية الهئية المسؤولة عن المحافظة على المدن التاريخية؛ هو المبرّر المستفز لصرخة النداء العالمي لإنقاذ الموروث الحضاري في صنعاء القديمة، ليكون بذلك قدر صنعاء مكتوباً على جبين وطن جعلوه قابلاً للشراكة تحت مبرّر عجز الحكومة التي لا نرى قوتها سوى في خلق ثغرات للصراعات. بقايا حبر الجسر الممشوق بحكايات الأمس يسقط على ذكرى صاخبة لا تتسع لخطى الغياب في ذلك المكان عبور آخر على سكون الأوجاع في مُنتصفه تناهيد حلم يرتدي ظلاً لم يكن يوماً دفءاً لقشعريرة الأقدار [email protected] رابط المقال على الفيس بوك