هل ستختار الولاياتالمتحدة تاريخ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر الجاري موعداً لضربتها العسكرية على سوريا لتختزل بذلك مرموز اللحظة بمحمولاتها المختلفة لجهة عقد وعامين على اعتداءات نيويورك التي أحدثت زلزالا عنيفاً في الوعي الملامس للفكرة الأخلاقية للحرب..؟!. بتسويقها الضربة المتوقعة، سعت الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى إخراج توجهها على أساس أخلاقي تحت مبرر حماية شعب يُضطهد ويباد بأسلحة كيميائية من نظام حكمه، وهذا المبرر لم يحضر حينما قام نظام صدام حسين قبل ربع قرن وتحديداً في منتصف مارس من العام 1988 باستخدام ذات الأسلحة في ضرب مدينة حلبجة الكردية مخلّفاً أكثر من خمسة آلاف قتلى من الأكراد العراقيين. في مقاربته المهمة لفكرة الحرب بوصفها اعتمالاً في المساحة الأخلاقية واشتباكات المصالح يذهب المغربي «الفاهم محمد» في موضوع له حمل عنوان «باراديغم الحرب العالمية الثالثة» إلى اعتبار الحرب تغدو حال وقوعها «حدثاً تأسيسيّاً في حياة الشّعوب، لأنّها تدفع إلى إعادة النّظر في تكوين الذّات وحضورها التّاريخي، سواء تعلّق الأمر بالنّصر أم الهزيمة، ورغم أن الحرب كانت دوماً تمثل الخطر الأقصى الذي ينبغي دفعه واستبعاده عن الأمة؛ إلا أنها مع ذلك وفي حالة قيامها فهي تنبني على أخلاقيات صارمة، كما تفرض أيضاً قيوداً صارمة بضرورة احترام الطبيعة وعدم تسميمها، فالحرب ينبغي أن تتم في نوع من الممارسة الفروسيّة النبيلة». ويتابع الفاهم بقوله: «إن الحرب ما هي في نهاية المطاف إلا تلك الإرادة في الوصول إلى تسويات وتوافقات تضمن انتصار وهيمنة أحد الطرفين على الآخر؛ لذلك تغدو الحرب امتداداً للسياسة بوسائل أخرى» بمعنى أنّ الحرب تريد أن تصنع واقعاً سياسياً ما تستقر فيه مصالح دولة أو جهة ما، أما اليوم فالحرب هي التي ترسم السياسات وتحدد معالمها، في الحالة الأولى تتخذ الحرب كوسيلة هدفها بشكل عام هو الدفاع عن قيم معينة، حتى وإن كانت هذه القيم تبدو غريبة وغير معقولة من طرف أعدائها، أما في الحالة الثانية فتصبح الحرب غاية في حد ذاتها، غير قادرة على وضع حد لها بل بالعكس لا تعمل إلا على تأجيج الصراعات وافتعال المعارك هنا أو هناك، وذلك بسببين: إما بدافع خلق أسواق ممتازة لبيع الأسلحة، أو بدافع إيجاد مبررات «معقولة» لفرض ما يسمّى «الشرعيّة الدوليّة أو القرارات الأمميّة» بل حتى في حالة غياب هذه الشرعيّة وانعدام هذه القرارات كما في حالة حرب الخليج الثانيّة؛ فإن الحرب مع ذلك تظل مصرّة على شرعيتها الخاصة، وإن اقتضى الأمر تلفيق أكاذيب معينة كادعاء امتلاك صدام لأسلحة الدّمار الشامل أو ادعاء علاقة متوهمة بينه وبين القاعدة. إذاً نحن أمام تقاطعات صادمة في تحديد مفهوم الحرب وغاياتها، فالمبرر الأخلاقي يسقط أمام الفهم المختلف للوسيلة الهادفة إلى الدفاع عن القيم الباحثة عن مسنوداتها القانونية من طرف إلى آخر، وتنحصر تقريباً في الرغبة بإنتاج وضع سياسي يعزز مصالح الطرف المنتصر، ومصلحة الولاياتالمتحدة هنا في إضعاف مركز الممانعة وليس تدميره كلية، ففي الإضعاف قد تتخلق لحظة توازن سياسي على الأرض بين النظام السوري وقوى المعارضة قبل الذهاب إلى مؤتمر جنيف الثاني المعوّل عليه إيجاد تسوية من نوع ما يريدها الغرب مناسبة لتفكيك مركز ارتباط النظام بمحور طهرانموسكو، دون تمكين الجماعات الجهادية وقوى التطرُّف من الاستفراد بالحكم. لكن في إسقاط النظام وتدمير منظومتيه العسكرية والاقتصادية «دون تفاهمات مع موسكو» قد تدخل المنطقة في أتون فوضى غير محمودة العواقب أقلها تأجيج الصراع الطائفي «السني/الشيعي» الذي سيتمدد إلى مياه الخليج، ولن تسلم منه دولة في وزن السعودية «أهم منتج لمصدر الطاقة في العالم» لأننا لا نعرف كيف ستكون ردة فعل إيران وحزب الله وحتى النظام السوري ذاته من الاستهداف المباشر، فالشعور بالخطر سيجعلهم مستعدين لخوض مغامرة «عليَّ وعلى أعدائى» وأول تنفيس لهما سيكون في محاولة نقل المعركة إلى قلب اسرائيل، وفي حال تعقد مسارات الاحتراب قد تنقل المعركة إلى دول الخليج ذاتها، وكل هذا لا يصب في مصلحة أمريكا..!!. بالتأكيد لم يغب عن أذهان الخبراء الاستراتيجيين وراسمي السياسات في الولاياتالمتحدة أن الخطأ الأكبر المقترف في العراق كان في تدمير مرتكزات الدولة وعلى رأسها الجيش وتشجيع سياسات الاجتثاث التي قادت إلى اتساع تحالفات جبهة المعارضة «الجهادية البعثية» ضد الحكومة وغطائها الأمني الأمريكي الذي أدّى انكشافه إلى كارثة ارتماء الدولة العراقية في الحضن الإيراني، لتتجلى لاحقاًَ المسألة الطائفية كحقيقة مطلقة فضحت أكذوبة التعايش الذي كانت تصوغه دولة قامعة باسم العلمانية. من هنا سيكون البديل للدولة السورية في حال سقوط نموذجها القائم دويلات متشظية ستنشأ لدواع طائفية وعرقية، فالساحل السوري سيصار إلى دولة علوية بحماية القواعد والأساطيل الروسية، والشمال الشرقي دويلة كردية بحماية دولة الإقليم الكردي العراقي ومقاتلي حزب العمل الكردي التركي، والوسط دولة سنية تتصارع فيها جماعات الجهاد مع الأقليات المسيحية برعاية تركية..!!. رابط المقال على الفيس بوك