ليست المرأة وحدها من يستحق إجازة الوضع تلك، فكلنا يحمل هماً لا حدود له ولا مخاض!.. لذا نحن بحاجة إلى إجازة وضع لتلك الهموم الثقيلة لعلنا نعود إلى أعمالنا بشغف وولاء متجدد وقدرة مبدعة وخلاقة.. فحين تزدحم حياة المرء بطوابير الأحزان وصور البؤس والحرمان والعنف والاقتتال والتلويح بعصا الخوف والجوع تتحول كل حواسه ومناطق الإحساس فيه ثكنات دفاعية تحمي حياته من الفناء هماً أو جوعاً أو خوفاً، وهذا بالتالي يجعله وجبة سائغة أمام وحش الحياة الذي لا يرحم. قد يكون الإنسان عدو نفسه في كثير من الأحيان، لكنه يبدو أكثر عداوة لها حين يفقد السيطرة على مداخل ومخارج التحكم في حياته بعد نوبات صراع مريرة يحاول فيها أن يبقى إنساناً لكنه لا يستطيع! نحمل بعض صفات الدواب لكننا نفشل في إبقاء رؤوسنا باردة وأقدامنا دافئة كما قال أرباب الحكمة منذ أقدم العصور، تبقى أجسادنا في حالة عمل وعقولنا في حالة طوارئ قصوى، كل ما فينا يتفاعل مع أمسٍ لم ندرك بعضه وغدٍ لا يدركنا بعضه، إن حالة الهيجان والتفاعل التي تمضي عليها وتيرة حياتنا نوماً ويقظة تجعل من التفكير الإيجابي أحياناً خيار صعب ومن هنا ينشأ القرار الخطأ والهفوات العاثرة المتداركة وتثبت شوائب الفشل مرة إثر مرة حتى تصبح صفحات أرواحنا لوحة عشوائية لفنانٍ مبتدئ. لابد من محطة راحة بين فترةٍ وأخرى حتى نستطيع برمجة حياتنا من جديد، وحتى لا تتشابه خطواتنا رغم اختلاف وجهاتنا، وحتى لا نبدو كطفلٍ يحاول أن يحبو لأول مرة. نحتاج لمساحة صفاء معقولة لنعيد ترتيب تلك المكتبة العملاقة التي تحويها عقولنا، ونحتاج أكثر لوجود الضابط الذي يسمح بمرور الممكن وغير الممكن من وإلى الذاكرة دون أن يلغي أي ملفات مؤقتة تطرأ على خواطرنا في لحظة احتكاك احاسيسنا بواقع الحياة المرير. أرواحنا حبلى بالمجهول الذي ننكر معرفته ونعلم أنه قدرنا المحتوم، عقولنا أسواق مزدحمة بالذكريات وتسكننا عوالم لا نستطيع وصفها بالغرابة، الحياة تسير على وتيرة واحدة ونفشل أن نجعلها خالية من الروتين، فنحن نحتسي الرتابة مع فناجين القهوة، كل صباح، ونمضغ الملل في كل لقمةٍ تلوكها أفواهنا جوعاً وشبعاً، بل إننا نتماهى في جسد الاضمحلال دون أن يكون لنا حق الاختيار بين خيالٍ فارغ وواقع أكثر فراغاً، تتحول إلى قطع ريبوت ناطقة لا تعي ولا تدرك حين ندمن العمل أياً كان نوعه وطبيعته ومخرجاته والكارثة أننا نكتشف ذلك بعد فوات الأوان، وحتى لا يحدث ذلك نقول بإجازة وضع الهموم وطرح مخلفات الحياة وراء ظهورنا والتقدم إلى أقصى مناطق السببية التي تعلمنا آلية جديدة للدفاع عن وجودنا عبر خطوة واحدة إلى الخلف، وهذه قد تدفع أكثر للانطلاق إلى عالم جديد بلا توتر، خطوة واحدة إلى الخلف تجعلنا في وضع استعداد للقفز على حواجز الخوف والقلق ونسيان الإخفاقات المتكررة بل الغاؤها من ذاكرة الانجازات إلى الأبد. قد تكون هذه الإجازة طويلة أو قصيرة لا تتعدى أياماً، لكن مالا نتخيله أن الإنسان منا قد يكون بحاجة لإجازة وضع الهموم يومياً، فعقولنا وقلوبنا تخصبها أحداث الحياة بأحمال ثقيلة تتعدى قدرتنا على الاحتمال، وعشر دقائق من الاسترخاء التام والاستغفار الذي يطرد تلك الأحمال خارج أرحام عقولنا وقلوبنا قد تجعل الحياة أسهل بكثير، لنحرص على الحصول على تلك الإجازة الهادئة التي نعيد فيها شحن الطاقة إلى أجسادنا من مصدرها الصحيح.