عندما تكون الفكرة الجاذبة والمسيطرة لأية أمة وشعب هي قيم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والمساواة وشعارهم الغالب «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً..؟!» فإن الرافعة هنا تكون حضارية، وتنتقل الأمة من دائرة التخلُّف والعبودية إلى رحاب الحرية والتحضر الإنساني. لقد كانت المساواة هي العلامة الفارقة بين الجاهلية والإسلام، وعندما غابت قيم الحرية والمساواة كفكرة جاذبة وحاكمة؛ حلّت قيم الغلبة والتفاخر بالأنساب والأحساب، وانحدر العرب والمسلمون سريعاً نحو التخلُّف والذل وضرب رقاب بعضهم من أجل الحكم، ومازالوا منحدرين وسيظلون حتى تعود الفكرة الجاذبة والمسيطرة من الغلبة والتفاخر بالأنساب والتمايز العرقي إلى واحة الرسالة الإنسانية العالمية «وأمرهم شورى بينهم»، «كلكم لآدم، وآدم من تراب»، «إنما المؤمنون إخوة»، «الناس سواسية كأسنان المشط، لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى» على الناس أن تغادر هذه الأفكار الجاهلية التي تحاول أن تتلبّس ظلماً وجهلاً بالإسلام فهي لم تعد صالحة في عصر الشعوب، ولا يمكن أن نتقدم خطوة إلى الأمام؛ وهناك من يستفز آدميتنا باسم الإسلام ويحاول الاستعلاء علينا بأبيه وأمّه وحسبه ونسبه باسم دين المساواة والحرية؛ هذا أمر جُرّب قروناً ولم نحصد سوى الحروب على كل المستويات؛ على المستوى العام والخاص، وقتل الابن أباه والأخ أخاه من أجل الكرسي وهو يقرأ آيات الكرسي والفاتحة؛ ثم يخرج ليقول إنه هو مصدر الدين والدنيا وإنه كسلالة وأسرة مصدر التشريع وحاكم بأمر الله، وكأنه يقول إنه ليس بشراً..!!. إن روح الإسلام تقول بلغة واضحة ومقاصد معلومة إن الحكم شورى ومن حق الأمة، ولا ولاية ولا تمييز على أساس القبيلة والسلالة، فلا ولاية لقريش ولا للبطنين ولا للظهرين، نريد أن نتحرّر من الوصاية العنصرية باسم الدين الحنيف أياً كان مصدر هذا الاستعباد، الحرية والمساواة هي المقصد الأول للإسلام، وكل هذا الهراء كذب على الإسلام بدافع الاستحواذ على الحكم، وهي عنصرية تقزّم الإسلام كرسالة عالمية، ومن العيب أن تبقى بعد كل هذا الخراب وكل هذا الفشل المتراكم بسبب فشلنا في تجاوز إشكالية الاستبداد والحكم على أساس عنصري وباسم الإسلام للأسف. الإسلام دين عالمي وليس رسالة قروية ولا وصية أسرية أو عائلية، وعلى كل الذين مازالوا يروّجون لهذه الأفكار الاستعبادية والعنصرية أن يفتحوا عقولهم ويتحرّروا من ثقافة العبودية ويتقوا الله في أنفسهم وشعوبهم، وعليهم أن يبحثوا جيداً دون أهواء في روح الإسلام، وسيجدون هذه الأفكار أفكاراً مختلقة ومدسوسة على الإسلام ومكذوبة على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم، وهي التي تقف وراء كل البلاوي والتخلّف. من المحزن أن نرى الناس ينطلقون إلى بناء حضارة وحل مشاكل الحكم من أجل الإنسان والبطالة وإزالة الظلم والفقر ونشر العلم والطب والفن والحقوق؛ ونحن مازلنا نتعارك عن العرق الأنقى والأشرف والأطهر وادعاء العصمة، وعن تفريق الناس إلى سادة وعبيد، وأبناء أصول ودون أصل والاستعلاء على خلق الله، قرون طويلة مضت ونحن نفني أجيالاً وأجيالاً من أجل عيون هذه الأسرة أو ذاك الفرد على أساس النسب والجينات الرديئة والأصلية و«التيوان»..!!. على كل هؤلاء وهؤلاء أن يعوا أن هذه الأفكار لم تعد تنطلي في هذا العصر المفتوح على الثقافة الإنسانية والبحث عن أقصى ما توصلت إليه الإنسانية من تقدم ومساواة وحرية للإنسان كإنسان خلقه الله وكرّمه.. الجمهورية هي العامل المشترك، والديمقراطية وسيلة الحكم، والأخوّة والمساواة هي رابطتنا في هذا الوطن الواحد. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك