هذا كان حال ومقال محافظ محافظة تعز الأخ شوقي هائل سعيد، الذي أقحم إقحاماً في السياسة، وهو من كان من المفترض أن يبتعد عنها حتى في أحلامه، فهو رجل أعمال تلك المحافظة التي كانت تنتظر منه أن يبقى هو، وأن لا يقع في هذا المأزق، ويحبس في هذا القمقم، الذي ينسى المرء حتى نفسه، ويجعله أحياناً وحالياً بالذات من المغضوب عليهم، وممن تدرج أسماؤهم على رأس قائمة المطلوبين من كل الجهات.. فتعز الحالمة، التي كانت مناراً للرقي والتطور والثقافة والجد والعمل والمثابرة، وقد يختلف من يسكنها عن ساكني بقية محافظات الجمهورية، بكونهم من محبي العلم والعمل والاطلاع والقراءة والإبداع والكفاح، والنظرة الراقية للمرأة وحقوقها، باتت تعز الخائفة، التي لا يسمع فيها غائب إلا أصوات أعيرة رصاص طائشة، من ملثمين يطيرون فوق “الموتورات” لاغتيال فلان وفلان، ومسلحين بأشكال مفزعة يجوبون الطرقات والحواري، وتقطعات خانقة، لا تستهدف الأموال والبضائع فقط، بل الأرواح بالدرجة الأولى، وكل شيخ يبسط نفوذه، وينشر أتباعه بكل مكان، ويفعل ما يريد وبمن يريد، ولا شيء هناك يمت لتعز الحالمة بشيء مما كانت عليه. فلو قلنا أين المحافظ، لقلنا أيضاً أين الدولة برمتها، وكيف يمكنها ويمكنهم السكوت عن هذا، وهل يعني هذا التبلد والسكوت المقصود أنهم راضون عن ما يحصل، وهم على معرفة وثقة أن ما يحصل سيتطور لما هو أكبر وأعظم، وسنحتاج لثورة وثورات، إذن فما مبرر كل هذا، وهل فقدت الدولة هيبتها وقوتها بإرادتها، فالمؤلم والمؤسف في الوضع هو معاناة المواطن، المواطن الذي لم يعد يعرف ماذا يفعل، يموت من الجوع أو الخوف أو القهر أو الظلم أو مما يموت، وأي طريقة يجب أن يموت فيها، وكيف سيفارق الحياة، فحتى الطريقة التي سيفارق فيها الحياة ستكون مؤلمة وموجعة ومجحفة. أما غير المواطن فهم في سلام وأمان في قصورهم وشركاتهم ومشاريعهم، وهو وحده من يدفع ثمناً باهظاً لبقائه على قيد الحياة، كأنه لا يكفيه ما يعيشه في واقعه من مآس وظلم وسلب لأبسط حقوقه، ليحرم فوق هذا كله من إحساسه بالأمان وهو يمشي في الشارع يبحث عن ما يسد به رمق صغاره الجياع، وما يخرس به صوت صاحب الإيجار الذي يتمنى أن يرى عزرائيل قبله، وما يسعف به طفله المريض، وما.. وما... فهل سيبقى الحال على ماهو عليه، وهل ستمتد أيادي الدولة الممثلة بالجهات الأمنية المسئولة لتساند يد المحافظ الوحيدة، أم إن هذه اليد ستبقى وحدها، لا تمتلك من الحيلة شيئاً تقوى به على إصلاح الحال الذي وصل إليه الأمن والأمان، وسيبقى المواطن وحده يعاني ويعاني، ويهرب من جوعه، ليبحث عن كسرة أمان، يعود بها إلى أولاده..؟! لأنه في الوقت الذي يبحث فيه المواطن العربي عن الأمان أيضاً، قد يمكننا القول إننا جزء من هذه الدائرة، وطبيعي أن تمر الأوضاع عندنا بشيء من الانفلات والضياع، لكن إن بررنا الوضع بهذا، فيجب أن نضع بعين الاعتبار أيضاً، أن مجتمعنا يختلف عن المجتمعات العربية الأخرى، فلا يخلو بيت في اليمن من قطعتي سلاح، والكبار والصغار صديقهم المسدس والأوالي، أضف إلى ذلك المشايخ ومرافقيهم، لكن لنا رب يحمينا، وستعود الحالمة يوماً آمنة مطمئنة “تعز مسئوليتي”.