ثمة ارتباط عضوي واتصال موضوعي ووطني بين ذكرى الثورة اليمنية في الشمال أو الجنوب ومشروع الحوار الوطني الذي تزداد وتيرة القضايا والأحداث والظروف والأجنحة والمشاريع التي تحاول أن تعيقه وتقلّل من أهمية مخرجاته ونتائجه المنتظرة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي. الثورة التي مازالت حتى اللحظة تعاني مضاعفات الولادة وما تلاها من مراهقات وتورّمات حالت دون وصولها إلى التغيير الحقيقي للمجتمع، وتحقيق الأهداف الأساسية التي جاءت من أجلها، وضحّى الشهداء في سبيل نجاحها. الحوار الوطني الذي مرّ بمراحل وإخفاقات، وتنازعته مشاريع واتجاهات ومحاور داخلية وإقليمية ودولية منذ قيام الثورة اليمنية وحتى اليوم؛ مازال شبه متعسر سياسياً واجتماعياً، وكأن الأقدار قد كتبت علينا أن نظلُّ في بحث دائم عن اليمن السعيد حتى قيام الساعة..!!. المحاور والأطراف التي تبرز في كل المراحل منذ قيام الثورة اليمنية وحتى اليوم؛ سرعان ما تتحوّل إلى أداة للصراع والاستنزاف الدائم للمجتمع، مما يجعلها تسهم بشكل كلي في إحداث الإعاقة والتشوّه في مفاصل الحياة والوعي الاجتماعي، ومن ثم نرجع بعد ضياع الوقت والجهد والإمكانيات لنبحث من جديد عن فرص للتلاقي والتواصل التي قد تتشكّل عبر وسطاء وتدخلات مؤسفة ومذلّة. نصف قرن من الزمن المر نبحث فيه عن فرصة حقيقية للحوار اليمني اليمني الجاد والمثمر للحاضر والمستقبل بالنتائج لا بالشعارات، وبالفعل وليس بالتمنيات، نصدق فيه مع الله ثم أنفسنا والوطن، نغلّب مصالح المجتمع على مصالحنا الذاتية، نترفع عن المهاترات والمراهقات والمناكفات والمخاصمات البينية والأحقاد المؤجّلة والحسابات القديمة والأفكار البائتة التي لم تكن في مستوى الإنسان اليمني وإرثه الحضاري والإنساني. مجتمعنا اليمني أتعبته الظروف القاسية التي لم يستطع التخلُّص منها بسبب ارتهان قطاع كبير منه إلى الفوضى وثقافة العبث، في الوقت نفسه ظهرت سلوكيات غير متزنة ولا تلتزم قانونية وكيفية المطالبة بالحق لعدم إدراكها الوسائل السلمية لتلك المطالبة وكيفية ممارسة حرية التعبير، الأمر الذي أدخل المجتمع اليمني في منعرجات وظروف قاسية المرة تلو الأخرى. الخطابات السياسية المتضاربة والمتقاطعة في الساحة اليمنية لم تعمل بشكل جدّي ونزاهة وطنية، وبرامج حقيقية تساعد المجتمع على صناعة وتشكيل الحياة التي يتطلّع إليها ويحلم منذ نصف قرن بتحقيقها؛ بل دفع أثماناً باهظة للوصول إليها. سرعان ما تتحوّل الحياة بسبب تلك البرامج النارية والمصالح الملتهبة إلى جحيم يفقد المجتمع اليمني عقوداً من نضاله وكفاحه وصبره في سبيل الخلاص من الماضي؛ فإذا به يعود إليه من جديد ولكن عبر وجوه وعقول لم تستطع أن تشكّل الجسر بينها وبين الحاضر؛ فكيف ستتعامل مع متطلبات المستقبل..؟!. القوى السياسية في الساحة اليمنية كلها دون استثناء تسعى للوصول إلى الحكم ولو كلّف ذلك دمار وخراب المجتمع وارتهانه إقليمياً ودولياً، وكأن السلطة هي الهدف الأول والأخير لأحزابنا السياسية؛ مع أنها جميعها لم تنجح اجتماعياً أبداً؛ بل حوّلت المجتمع برمته إلى فرصة للإثراء الحزبي وزيادة دخل الجماعة المسيطرة على مقدّرات هذا الحزب أو ذاك؛ ما أدّى عبر كل المراحل إلى كثرة الفقراء والمحتاجين داخل المجتمع الذين يتحوّلون مباشرة إلى بيئة خصبة للاستقطاب الموجّه وأدوات للعنف والتخريب. ما أقبح أفعال أولئك الذين سعوا إلى تحويل ذكرى الثورة اليمنية إلى جحيم؛ فكان نهاراً متعباً وليلاً مظلماً، معتقدين أنهم سينالون من إحساس الإنسان اليمني بنشوته تجاه ثورته التي مازالت تتشكّل حتى اللحظة باحثة عن اليمن الجديد، فقد أعلن رغبته وإصراره في التغيير وإصلاح مسار الحياة اليومية للفرد والمجتمع منذ نصف قرن ومازال يشق طريقه في اتجاه التغيير وترميم البيت اليمني من الداخل مهما كلّف الأمر. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك