الواقع يقول: إن شيئاً أفظع من (العنوان) حدث ويحدث في هذا الشعب فهذا الشعب سلبت حريته وأجهضت شرعيته وأهرقت دماؤه وخُطف وسُجن وعُذب وها هو اليوم خلف القضبان يمثل أمام المحكمة ، ليس له من تهمة سوى الحرية.. أصبحت تلك الصورة أمراً متكرراً في البلاد العربية، وأصبحت من الصور الاعتيادية لدى الكثيرين ، إذ لا تجد في أنفسهم أي معنى للتأثير والوقفة الإنسانية.. وللأسف أن تلقى قسمات تلك الصورة ترحيباً من الإنسان العربي إن جاز أن نسميه كذلك ، وامتعاضاً ولو كاذباً من غيره! فنحن نعيش في أبشع لحظات التاريخ حيث وصلت الأحاسيس العربية إلى مرحلة التبلّد المستعصية والقسوة المنكرة والجلافة غير المبررة. في مصر تجد (المقدمة) مستراحها والصورة فيها أشد اتضاحاً من غيرها، فميزة (مصر) أنها مرت بأزمة تاريخية شديدة في فترة زمنية قياسية لم تصل إلى منتصف العقد ، في غضون 3 سنوات فقط تشكلت ملامح ستة عقود من الظلم والقهر والحكم التيموقراطي . بعد ثورة شعبية كانت حلماً وردياً ولكنها حين التطبيق صارت كابوساً مؤرّقاً.. أن يقوم شعب بثورة عارمة ، يهرق فيها ماء روحه ، ويضحي لأجلها بفلذات أكباده ، ثم لم يشرع بعد في خوض غمار الديمقراطية حتى تسلب شرعيته وتزهق روحه وتبدّد أحلامه المأمولة ، فهذا بحق قمة الإجحاف والتهكم. وهذا ما يحدث في البلاد العربية وفي مصر تحديداً.. أنا لا أختزل الشعوب في أشخاص، ولا أعطي للأشخاص تقديساً بقدر ما أعطيه للشعوب التي ضحت وبذلت وانتزعت شرعيتها بحق وحقيق ما يحدث في مصر حالياً هو تعدٍٍ سافر على حق شعب وليس على حق طائفة أو جماعة أو شخص ، فالسلطة ليست للإخوان والرياسة ليست لمرسي بل هي حق لشعب غالب ، وهو الشعب الذي قصدته الديمقراطية في مفهومها البسيط. بعد كل الجرائم الجسام التي تعرّض لها الشعب المصري ، من القتل الألفي لأبنائه ، واعتقالات مستمرة لرجالاته ورموزه ، وخطف مستمر لرأس شرعيته ، يقدم للمحاكمة! لا لشيء ؛ غير أنه متهم بقتل وخطف نفسه ، وعمالته لشعب رازح تحت التبعية ، بينما من انقلبوا على شرعيته وانتهكوا حرمته يتقلبون بين أحضان رعاة الإجرام الدولي ، ويسبحون في بحار الإمبريالية المتسخة فهؤلاء هم عنوان الوطنية والشرف وحق لهم أن يفعلوا ما يشاؤون ما دام هناك من هو مستعد لبيع أغلى ما لديه بأبخس الأثمان.. ولكن وكما عوّدتنا أسود الكنانة ، فهي ما فتئت تعيش أنفة الصمود والتحدي تملؤها روح الحماسة والعزيمة الصادقة لاسترداد الحق المستلب بطريقة السلم الحضاري المشبوب بالمثالية.. وها هو اليوم يقف كالأسد الضرغام أمام النعاج المضطربة التي لم تجد فرصة الرقص إلا بعد اطمئنانها أن الأسد في محبسه.. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك