تمثل قضية الإصلاح الديمقراطي إشكالية معرفية لدى الكثير من الباحثين و النقاد وذلك لجهة ضبط المفهوم و تحديد دلالاته الفكرية ؛ وفي هذا السياق هناك رؤيتان تتسمان بالتغاير الذي يعكس بعدا أيديولوجيا تحاول كل رؤية ومن خلال فرض أجندتها ألسياسية وبصيغة لا تخلو من الاحتواء و التعميم لثقافة سياسة معينة .وتبعا لذلك فالإصلاح الديمقراطي وفقا للرؤية المنهجية كمفهوم أجرائي يقصد به الإصلاح بالديمقراطية والمتسم بالاستمرار و الشمول لكافة أبعاد الواقع المجتمعي سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً و ثقافيا وبصورة تراكمية ومنتظمة يمكن أن يؤدي إلى إحداث التغيير الكلي وفقاً للرؤية الثورية مع الحفاظ على كل ما هو إيجابي قائم وفقاً للرؤية المحافظة سيما وقد أصبحت ضرورات هذا الإصلاح قائمة وملحة وخاصة في سياق المجتمعات العربية تحديداً والذي توالت بشأنه صدور العديد من المبادرات الدولية للإصلاح الديمقراطي وأدت إلى إعادة إحياء طرح الإشكالية وذلك من خلال صدور عدد غير محدود من مبادرات ومشاريع الإصلاح الديمقراطي من الداخل ولعل هذا ألاهتمام وبصرف النظر عن دوافعه ومحركاته يقود الى استنتاج هام وخطير وهو إن الفارق الحضاري بين مجتمعات متقدمة وأخرى متخلفة يتمثل في أن الأولى تحكمها مؤسسات ديمقراطية منتخبة فيما الثانية لا يحكمها فقط بل يتحكم فيها أشخاص أعطوا لأنفسهم صفة الشمول والتمدد المؤسسي الشكلاني في أحسن ألأحوال وصفة ألفردانية المطلقة في حالات أخرى . وبالتالي ما هو موقع الديمقراطية وما مصير الإصلاح الديمقراطي في كل هذا الركام من الاستبداد السياسي المتحصن بقلعة من التخلف المجتمعي العام يتفاوت في نسبته وحدته من مجتمع عربي ألي أخر يستغل كمبرر للتذرع بالخصوصيات التي لا تقبل فرض الديمقراطية عبر الإصلاح الديمقراطي من الخارج بمعنى المجتمع الدولي والتجارب الديمقراطية الناجحة في العالم والتي تمثل إرثاً حضارياً مشتركاً لكافة المجتمعات الإنسانية كون الديمقراطية في معناها ومبناها ضد التخلف ولا تتعارض مع أكثر الخصوصيات حساسية وهي المعتقدات الدينية بما في ذلك الإسلام الذي يظلم كثيراً ممن ينصبون أنفسهم حماة له كما لو انه ضد قيم الحق والخير والعدل والمساواة ما يجعل من السهولة رفض الديمقراطية باعتبارها أخف الضررين مع إفراغ الإسلام ذاته من مضمونه الحقيقي . وهكذا يتم تأجيل الأخذ بالخيار الديمقراطي وتوطين الديمقراطية في بنية الواقع المجتمعي والتحايل على مدخلاتها وتمويه مخرجاتها حتى عندما يطرح هذا المطلب من قبل خارج الداخل بالمعنى الضيق وهو مطالبة الفعاليات السياسية والاجتماعية على المستوى القطري للأنظمة الحاكمة بإحداث الإصلاح الديمقراطي المنشود على أسس موضوعية ومنها التنازل للداخل عبر اّلية الحوار المفضي إلى إقرار لغة تفاهم مشتركة تحقق الاستقرار السياسي والتحرر الاجتماعي وعلى قاعدة المفهوم المحوري لهذه العملية والمتمثل بمفهوم الديمقراطية بتعريفها الإجرائي التقليدي الشائع والمبسط وهو( حكم الشعب ) . والذي يختزل من مضمونه الكثير من القضايا والأبعاد والتي تجعل من الديمقراطية منظومة حقوقية متكاملة يمكن ترتيب أولوياتها لكن ليس على أساس المقايضة والانتقاص ؛ والذي يؤدي ألي تعطيل هذه الاّلية وإفراغها من مضمونها الحقيقي إذ أن هناك الكثير من الحالات وعلى صعيد التطبيق في المجتمعات العربية ما أن تبدأ بالانطلاق والتطور حتى تتعثر وتعود ألي نقطة البداية أو تتجمد بأشكال وقوالب متخلقة ؛ ما يؤدي إلى إحباط وإجهاض تجارب تحاول تلمس مسارات التطور الديمقراطي والنتيجة الحتمية ترسخ ظاهرة التبعية بمستوياتها المتعددة ؛ وسيادة فكر تعبوي يعلي من شأن الاستبداد على حساب الحرية والأشخاص بمعنى الزعامات على حساب المؤسسات وبالتالي تصبح الديمقراطية والمطالبة بها وسيلة لإعادة إنتاج التخلف . رابط المقال على الفيس بوك