ينتظر اليمنيون بفارغ الصبر اختتام مؤتمر الحوار الوطني وإعلان تقريره النهائي الذي سيتضمن حلولا ومعالجات لكل المشاكل والقضايا المعقدة التي تراكمت خلال الفترات السابقة وكان يتم ترحيلها أولاً بأول ليتفجر في النهاية غضب الشعب اليمني ويصل إلى مفترق طرق كادت تؤدي به إلى التهلكة لولا تدخل المجتمع الإقليمي والدولي الذي تقدم بمبادرة كان رجاله العقلاء في غنى عنها لو أنهم اخلصوا النية وصدقوا فيما يقومون به من جهود تحول دون وصول اليمنيين إلى ما وصلوا إليه.. وهو ما يؤكد بأن الأساليب التي اتبعناها خلال الفترات الماضية لحل مشاكلنا- وبالتحديد منذ قيام ثورة (سبتمبر وأكتوبر) حيث كان يتوصل الفرقاء السياسيون إلى اتفاقات ومن ثم يتم الالتفاف عليها وتعود الأمور إلى المربع الأول- لاتزال قائمة.. وان كان الأمل كبير هذه المرة في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني بفضل الإشراف الإقليمي والدولي على التنفيذ تطبيقا لما جاء من شروط في المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن الدولي التي تصب في هذا الاتجاه.. وفي نفس الوقت لا توجد جهة سياسية مهيمنة تستطيع ان تفرض إرادتها كما كان يحدث سابقا عند شعورها بأن هذا الاتفاق أو ذاك لا يخدم توجهها ومصالحها مثلما حدث مع وثيقة العهد والاتفاق عام 1994م حيث تم اللجوء إلى الحرب بديلا عن التنفيذ.. وكذلك ما حصل فيما بعد للاتفاقات التي كانت تتم بين القوى السياسية وتنتهي بالالتفاف عليها من قبل من بيدهم سلطة القرار. اذا فان ثقة اليمنيين في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني هذه المرة ستكون كبيرة – كما اشرنا آنفا- نتيجة اطمئنانهم للإشراف الإقليمي والدولي لكن قلقهم وخوفهم كان نتيجة تأخر إعلان المخرجات رغم مرور اكثر من ثلاثة أشهر على انتهاء الفترة التي حددت بستة أشهر لينهي مؤتمر الحوار الوطني أعماله خلالها ولكن المتحاورون لم يلتزموا بتلك الفترة بسبب تغليب المصالح الحزبية ومصالح الوجاهات والجماعات على مصالح الوطن والشعب.. ونخشى ان تستمر المماحكات ووضع الشروط التعجيزية بهدف إطالة أمد الحوار الذي يأمل كل اليمنيين ان ينهي أعماله قريباً حسب تأكيدات رئاسته وتصريحات الأخ رئيس الجمهورية رئيس مؤتمر الحوار الوطني التي فهم منها بأن المؤتمر على وشك الانتهاء من أعماله خاصة بعد استكمال التوقيع من قبل القوى السياسية على وثيقة حلول القضية الجنوبية المختلف حول تفسير ما تضمنته من بنود يقول البعض عنها إنها غامضة وكل يفسرها بطريقته التي تخدم توجهه.. وان كان الشيء المؤكد الذي يجب ان نعترف به هو ان هذه الوثيقة قد قربت المسافة وقطعت الطريق أمام أولئك الذين كان هدفهم إدخال المتحاورين في متاهات لا نهاية لها ولا يريدون للشعب اليمني عبر ممثليه في المؤتمر ان يصل إلى حلول لقضاياه المعقدة والخروج من أزمته التي اذا ما ظل شبحها مسيطراً على الأوضاع وانعكاساتها السلبية تلقي بظلالها على كل شيء فان اليمنيين لن يوصلوا بسفينتهم إلى بر الأمان.. وهذا يقلل من قدراتهم ويظهر عجزهم أمام الغير ويفقد الثقة فيما بينهم. ونعتقد ان السبب المباشر لتعقيد قضايانا ومشاكلنا في اليمن يعود إلى تعاملنا مع نتائجها وتجاهل أسباب نشؤها.. إضافة إلى ما يعلق في النفوس من غل وحقد ضد بعضنا فيتعامل الأخ مع أخيه وكأنه عدو مبين وليس ولياً حميماً،خاصة اذا ما صاحب ذلك حقد طائفي ومذهبي.. لكن لو غلبنا لغة التسامح والعفو والمغفرة وتحملنا بعضنا كما هو حاصل في الدول المتقدمة التي تتعامل مع شعوبها بروح الإسلام وتعاليمه وهم غير مسلمين لما وصلنا إلى هذا الوضع.. لأننا نحن المسلمين الذين نصلب جسد الإسلام في دساتيرنا وقوانيننا للتغني به ولا نعمل بتعاليم الدين الصحيحة صرنا نطبق على واقعنا شريعة الغاب فيقتل بعضنا بعضا مستبيحين الدم والعرض والمال الذين حرمهم الله ورسوله إلى يوم القيامة.. وليس هناك جريمة أشنع على وجه الأرض من قتل النفس المحرمة التي توعد الله قاتلها بالخزي في الدنيا والخلود في نار جهنم.. أما النبي محمد عليه الصلاة والسلام فقد روي عنه: ان هدم الكعبة حجراً حجراً أهون عندالله من إراقة نقطة دم مسلم أو كما جاء في الحديث.. وبسبب روح الانتقام التي تحملها النفوس تحول كل منا إلى عدو للآخر ليس على مستوى الشعوب فحسب وإنما على مستوى الدول والحكومات حيث كل يصفي حسابه مع الآخر.. ولو تأملنا قليلا في وضعنا منذ قيام ثورة (سبتمبر وأكتوبر) وحتى اليوم لوجدنا ان سبب تأخرنا وتخلفنا عن الركب هو انشغال بعضنا بالبعض الآخر على حساب البناء والتعمير وتحقيق مصالح الشعب وخدمة تنميته وهو ما يخالف سنة الحياة.. فبعد قيام ثورة (سبتمبر) انشغل الثوار بالإعدامات وتصفية الحسابات مع من أسموهم برجال العهد البائد على حساب التغيير إلى الأفضل فخلقوا ثورة مضادة كما اكد على ذلك القاضي عبدالرحمن الأرياني رحمه الله في مذكراته التي لم يتحرج من القول بأن الإعدامات شكلت وقوداً للثورة المضادة معلنا تبرؤه مما حدث ومصرحا باختلافه مع المشير عبدالله السلال أول رئيس للجمهورية بعد قيام الثورة حول تلك التصرفات التي قال عنها السلال نفسه انه لم يوافق عليها وان الضباط لم يكونوا يسمعون كلامه ولا ينفذون أوامره.. وكذلك ما حدث في الشطر الجنوبي من الوطن سابقاً حيث لم تكد تعلن بريطانيا تسليمها الحكم للجبهة القومية يوم 30نوفمبر1967م حتى قامت الجبهة القومية بتصفية حسابها مع شريكها في النضال جبهة التحرير وإخراجها من معادلة المشاركة في الحكم لتنفرد به الجبهة القومية.. وبذلك أسسنا في اليمن شماله وجنوبه لصراعات دائمة لازمت مسيرة( ثورة سبتمبر وأكتوبر )حتى هذه اللحظة.. وما نعانيه اليوم من متاعب وضياع للدولة ومؤسساتها وغياب النظام والقانون وتحكم القبيلة كله ناتج عن صراع من يصفون انفسهم بالمتنورين والمثقفين الذين انشغلوا بأيدولوجيات دخيلة على عاداتنا وتقاليدنا بل وعلى عروبتنا وديننا الإسلامي الحنيف فأثر ذلك الصراع والتناحر على بناء الدولة الحديثة وتحقيق التنمية للشعب.. وقد أتى من أستغل هذا الوضع المؤلم ليزايد باسم الشريعة الإسلامية وهو أبعد ما يكون عن تعاليمها الصحيحة التي تمثل نبراس المدنية والعمل بها رائد الإنسانية.. فأدخل اليمن في متاهات تحت يافطة المذهبية والطائفية والعنصرية وتكفير من يختلف معه.. ولا يعلم إلا الله كيف ستنتهي الأمور اذا لم يحزم المتحاورون أمرهم ويسارعون إلى إخراج اليمن من ازمته المستفحلة من خلال ما سيتوصلون إليه من مخرجات للحوار وهو في لحظاته الأخيرة وإلا فإن لعنة الشعب والتاريخ ستظل تلاحقهم إلى الأبد في حال فشلهم لا سمح الله. [email protected]