العبور إلى مرحلة جديدة من العمل الجاد من أجل وطن يتسع للجميع، يبنى بسواعد أبنائه الشرفاء يتطلب منا جميعاً الارتفاع فوق خلافاتنا واختلافاتنا، وتغليب الرؤية التوافقية التي ارتضاها الجميع في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ولأنه شامل يجب أن تشمل مخرجاته الوطن اليمني ككل «من المهرة إلى صعدة» دون استثناء أياً كان شكل الدولة التي توافقنا عليها، فليست المعالجات محصورة في منطقة جغرافية بعينها سواء كانت شمالية أم جنوبيه، شرقية أو غربيه، فاليمن بكل أجزائه له نفس الأهمية طالما أن المواطنة المتساوية هي مبدأ ثابت في مضمون الدولة الجديدة «دولة الحكم الرشيد». الأحزاب السياسية يجب أن تبدأ مراجعة كاملة لخطابها السياسي ومفردات تعاملها، والشعارات التي ترفعها سواء مع قواعدها أم مع عامة الشعب، رؤى برنامجية متجددة يجب أن تقوم على أساس الاحترام المتبادل بين مختلف التيارات السياسية بعيداً عن التمترس والتطرف الذي كثيراً ما استنزف طاقات هذا الشعب الطيب التواق إلى مغادرة مربعات العنف والفوضى، هذ الشعب الذي يستحق بجدارة أن يلتحق بالعالم المعاصر. لا مجال للمراوحة أو الاستسلام لسلبيات الحاضر أو موروثات الماضي سواء الماضي القريب أم البعيد، لأن العجلة يجب أن تتحرك وأن تتقدم إلى الأمام نحو هدف واحد هو هدف الدولة المدنية الحديثة، ولابد أن يعرف الجميع أن الدولة المدنية هي دولة المؤسسات التي يخضع فيها الأفراد والجماعات والتنظيمات السياسية لسيادة القانون، وأنه لم يعد هناك تعريف آخر لمضمون هذه الدولة غير تلك المضامين التي توافق عليها الجميع ضمن مخرجات فرق عمل الحوار الوطني. التوجه إلى المرحلة الجديدة يعني التحرر من قيود الصراعات وتداعياتها بما في ذلك النزعات المناطقية والمذهبية، والحزبية، والانشغال بالبناء والتنمية، يعني التوقف فوراً عن استدعاء النعرات أو البحث في ملفات تجاوزها الزمن ولم تعد صالحة للتعامل مع تحديات الحاضر والمستقبل، يعني احترام ثقافة الجيل الجديد الذي يعيش شكلاً آخر من الأحلام والطموحات تتواكب مع أحلام وآمال الأجيال الجديدة في كل الدول المتقدمة التي صارت بفعل العولمة وثورة الاتصالات الحديثة تتشارك أشكالاً متشابهة من الطموحات والأهداف لا تختلف كثيراً بين شعوب الدول المتقدمة أو النامية. وإذا كان التسامح هو السمة الأساسية لتوفير حالة النقاء الفكري والروحي والتفاعل الثقافي من أجل مستقبل يتسع لهذا الجيل والأجيال القادمة، فإن الإرادة والإصرار على قهر الأزمات والتخلُّص من ثقافة التأزم هو الكفيل بتوفير الأرضية الملائمة لإطلاق الطاقات الخلاقة في هذا البلد الذي أوشكت الفوضى الخلاقة أن تلتهم فيه ما تبقّى من القيم والمبادئ والتقاليد العريقة. [email protected]