كان الإعلام قبل الانتفاضة الشعبية في العام 2011م لسان حال السلطة الحاكمة, ممجداً لسلطانها, ذاماً وناقداً لمعارضيها, متكتماً على فسادها وفشلها, ممتدحاً بالحق والباطل انجازاتها التي لا تعرف الخطأ والفشل, مضخماً لتوافه الانجاز ومختلقاً لها ما لم ينجز, وهذا ما كان. وما بعد الانتفاضة, ظل على عهده القديم, وفياً لتاريخ طال أمده, رغم تغير الأسماء واختلاف العناوين, فهذا الإعلام لسان حال السلطة على الدوام, وهو في كل عهد صوت هذا العهد, وإن تجدد فباتجاه التفنن في مدح وتمجيد العهد, والإضافة إلى مبالغات سلفه, وإبداع طرق أخرى للتطبيل والتضليل. ولست هنا متحاملاً على الإعلام الرسمي, أو متحيزاً في الحكم عليه ظلماً وتعميم الأحكام على كل الإعلام والعاملين في حقله، فالإعلام الرسمي ضحية سلطة لم تفهم دوره ولم تقدر رسالته , فجعلته موظفاً في بلاطها، تابعاً لرغبتها، خادماً لفسادها وعجزها, دون أن تستعين به لتنويرها بالوقائع والمعلومات, وإعانتها بالكشف عن جوانب القصور ومظاهر الخلل ومكامن العجز والفساد. عندما تريد السلطة الحاكمة من الإعلام ألا يتحدث عن الفساد وألا يقترب من الاعتراض أو الانتقاد فإنها بهذا تؤمن رهط الإفساد من عين الإعلام ورقابتها على الأداء والنتائج, بل والأفدح من هذا أن الإعلام الرسمي باقتصاره على الإشادة والتمجيد, يمنح الفشل نجاحاً دائماً والفساد إقامة ثابتة. لم يكن الإعلام الرسمي, عدا صحف محدودة مرآة صادقة في تعبيرها عن مشهد الحوار الوطني, وتجسيدها لحقيقته القائمة على التنوع والاختلاف , فهذا الإعلام لم يقترب من تنوير الرأي العام بالسقف المفتوح بلا قيود ولا حدود لعملية الحوار , حتى وهو ينقل بالخبر والتقرير وقائع الاختلاف , يتوقف عند تثبيت المشهد مبتعداً عن حيوية الجدل الخلاق والحوار البنّاء. تجددت أسماء الاستبداد وبقيت عقليته متحكمة في الإعلام الرسمي وفقط لو استلهم القائمون عليه عملية الحوار الوطني أو حتى روحها, منهجاً وأسلوباً, لكانوا قدموا لنا مشهداً مختلفاً ورسالة مؤثرة, ولكنهم وقعوا بالحسابات السياسية في الأحادية الميتة, دون أن يُدركوا أن المحيط يضج بإعلام الجميع. [email protected]