«49» وتتجلى الدولة بالمؤسسة العدلية والعلم والنشيد والرموز الثقافية المتنوعة التي تجعل منها هوية كبيرة وواسعة تحتضن مصفوفة من الهويات وعصبية، وحدود جغرافية وعلاقات داخلية بين المتضادات الطبقية، التي تدعي التوفيق بينها.. والدولة تتميز أيضاً بالحركة الشبيهة بحركة الرمال، فهي تتمدد على مستوى الأرض والسكان إبان الحروب “ضم والحاق”، أقاليم جديدة بما في ذلك سكان الأقاليم وهوياتهم ومراتبهم الاجتماعية، وفي التاريخ كان سكان هذه الأقاليم مضطرين للتعايش مع قوى الدولة المنتصرة، وتتقلص أيضاً كلما خسرت الحرب واستقلالها بينما النظام الاجتماعي العائلي والعشائري ساكن و يتخلع وتبتلعه الدولة ببطء بسبب المقاومة الشرسة التي تنظمها إدارات هذه الأنظمة المناهضة للدولة المطلة من بين نتوءات القرون الوسطى المنصرفة بدون رجعة تاركة المجال للطبقة البرجوازية المعاصرة الحاملة لنظام اجتماعي جديد مفتوح على نسيج علاقات الانتاج السلعي الصغير والكبير والبسيط والمركب.. على علاقات الرأسمال والعمل المأجور. وارتبط ظهور الدولة بوصفها خلاصة لأسطورة البرجوازية أو مجتمع “ المانيفكتورة” مشاغل الانتاج البسيط بتطور المجتمعات الجديدة في اوروبا التي قادتها الرأسمالية المعاصرة وهي أول دولة تقوم على وظائف واسعة ومعقدة. ويمكن حصر أنواع الدولة وفقاً لمعانيها المفترضة سالفة التناول بالآتي: الدولة الرأسمالية وهي منسوبة إلى الرأسمال الذي أصبح القوة الجهنمية في العملية الانتاجية البديلة عن عملية الانتاج الاقطاعي والذي أصبح أهم الدوافع والروافع للنظام الرأسمالي الإمبريالي في القرن التاسع عشر والقرن العشرين وهذا النوع من الدول خلق الطبقات الاجتماعية المتضادة ومن ثم وضع نفسه كحكم بين هذه المتضادات اتقاءً للمضاعفات الأكثر سلبية ومنها القمع والاجتثاث بواسطة حروب الإبادة الداخلية، وعبرت احتجاجات الحركات العملية والعمالية عن قوة التوازن بين الطبقات الإيجابية في المجتمعات الأوروبية ومن أهم قوى التوازن في عصر ازدهار الرأسمالية ظهور ونشاط الأحزاب السياسية التي خاضت الصراع السياسي نيابة عن الطبقات والفئات الاجتماعية والدولة الرأسمالية لم تستطع التحوصل في مكانها الجغرافي، أي في بلد المنشأ ولكنها وبأساليب الاحتيال والمكر والقوة خلقت فكرة “القومية” كرديف للدولة وحول هذه الفكرة اصطفت الطبقات والفئات الاجتماعية وأحزابها بهدف مساعدة الرأسمال للهجرة إلى ما وراء البحار.. والرأسمال المتوحش محلياً تحول إلى فائض قوة مادية جمح إلى التشغيل عبر التدمير، ولهذه الحالة تحركت الدولة القومية للتنفيس عن فائض القوة أي التنفيس عن الشحنة الربحية وبدأ ببناء الدولة الإمبريالية أو الدولة الاستعمارية إذا جاز التعبير. الدولة الاستعمارية وهي الدولة الإمبريالية التي تحملت على عاتقها، كقوات عسكرية وأمنية وسجون وقوانين وتشريعات خاصة بها، غزو واحتلال أصقاع ما وراء البحار حيث احتلت أجزاء واسعة منه أمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا واستراليا وفرضت في أهم مراكزها السياسية في هذه المناطق سياساتها الاقتصادية التي وضعت كل السكان سواءً كانوا في أمريكا الجنوبية أو آسيا أو أفريقيا في مرتبة متساوية من العبودية.. والدولة الإمبريالية خرجت من رحم الدولة الرأسمالية وبنفس الوقت تعيش و تتنفس داخل ذلك الرحم، وهي دولة تختلف وظيفياً عن الدولة الرأسمالية القومية بكونها دولة إخضاع وإهانة سكان الأمكنة الأخرى إضافة إلى وظيفة نهب ثروات تلك الأمكنة ووضعها في مصلحة الطبقات والفئات الاجتماعية المكونة للدولة الرأسمالية والداعم لاستمرار الاستعباد.